جدل قانون الانتخاب

قد يبدو مفهوما تحفظ عدد واسع من الأحزاب السياسية على عدم اعتماد الحكومة في مشروع قانون الانتخاب الجديد، للقائمة الوطنية في النظام الانتخابي، وعلى عدم حصر تشكيل القوائم على أسس حزبية برامجية، بما يمكن من الارتقاء بالحياة السياسية والنيابية، ويقفز بها إلى مرحلة متقدمة من الإصلاح السياسي.
لكن ما لا يبدو مفهوما الذهاب أبعد في مطالبات بعض الأحزاب لمجلس النواب برد مشروع القانون الجديد، استنادا إلى أنه مشروع "غير متطور"، ولا يخدم الحياة السياسية.
يمكن تعداد عدد من التحفظات والسلبيات، والنقاط التي تحتاج إلى توضيحات وربما تطوير في المشروع. لكن القراءة الأولية للمشروع، ووفق حسابات واقعية عديدة، تشير إلى التقدم الواضح، بل ربما المفاجئ، في القانون، وتحديدا في جوهره، المتمثل في النظام الانتخابي؛ إذ اعتُمدت القائمة النسبية المفتوحة، والتي لا يقلل من قيمتها وأهميتها، اعتمادها على مستوى المحافظة، وليس على مستوى الوطن، بالرغم، طبعا، من أن الأمر المثالي والأكثر تقدما من ناحية إصلاحية، هو أن تكون على مستوى الوطن.
ولا يمكن أيضا القفز عن حقيقة تجاوز كارثة "الصوت الواحد" في المشروع الجديد، بعد أن بقي سيفا مسلطا على رؤوسنا ورأس الحياة السياسية والبرلمانية، لأكثر من عقدين. وفي اقتران منح الناخب تعددا في الأصوات في دائرته، مع حصر الترشح بالقوائم الانتخابية وفق نظام النسبية المفتوحة، تعظيم للإيجابيتين في جوهر المشروع.
اعتماد القائمة النسبية المفتوحة في الانتخاب يصب في صالح الأحزاب السياسية، وبالأحرى التيارات السياسية، إن استطاعت استغلاله جيدا والاستفادة من الفرصة التي يتيحها لها، بتجميع جهودها في قوائم موحدة. إذ يضمن مثل هذا النظام إلى حد كبير تمثيل كل التيارات والقوى السياسية، ولا يهدر أصوات قاعدتها الانتخابية أمام منافسة الأكبر حضورا أو الأكثر تنظيما.
قد يكون من مصلحة التيار الإسلامي، وتحديدا الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، اعتماد نظام انتخابات 1989، والقائمة المغلقة، وعدم تفضيلهم أو تأييدهم للقائمة النسبية المفتوحة وفق المشروع الحالي، استنادا إلى عوامل كثيرة، ليس هنا مكان استعراضها. لكن ضمان حق تمثيل كل المكونات والتيارات السياسية في المجتمع، وكل بنسبة حضوره في الشارع، هو الأفضل والأجدى في الحالة الأردنية اليوم، لإفساح المجال والفرصة لتطوير الحياة السياسية والبرلمانية والحزبية، وتحقيق الشراكة الحقيقية والضرورية بين ألوان الطيف السياسي المختلفة.
في هذا السياق، فإن التيار الإسلامي يظلم نفسه قبل أن يظلم الحياة السياسية والبرلمانية، إن أصرّ على موقفه السابق بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، خاصة إن استند إلى رغبته الدفينة في العودة إلى نظام انتخاب "89"، باعتباره يرفع من حصته في البرلمان مقارنة بالتمثيل النسبي. النظرة الإيجابية تستدعي من هذا التيار الانطلاق من أن المشروع الجديد نسف قلعة "الصوت الواحد"، بما كان عليه من سلبيات وتشوهات. ناهيك عن أن النظام الانتخابي الجديد يؤسس لشراكة وطنية بين مختلف التيارات، للوصول إلى مطبخ القرارات السياسية، الذي يمثله البرلمان، كما يفترض.
الخشية اليوم على مشروع قانون الانتخاب الجديد هي، بلا شك، من عدم تمريره بشروطه "التقدمية" في محطة البرلمان، من منطلق تعارض المصلحة الانتخابية لنسبة كبيرة من النواب مع نظام الانتخاب الجديد، وتقسيمات الدوائر الانتخابية، ناهيك عن الخشية من موقف التيار المحافظ، النافذ سياسيا، والذي رسخ على مدى عقدين "الصوت الواحد" ثابتا أردنيا وخطا أحمر!
إلا أن الدفعة القوية التي ضخها الإعلان عن المشروع بشروطه الإيجابية في الأجواء العامة ولدى الرأي العام والنخب، تقلل من مخاوفنا بتعثر مسيرة هذه التعديلات في البرلمان.