قانون الانتخاب: المهمة لم تنجز بعد

آراء العينة العشوائية التي التقتها "الغد"، تُظهر عدم اكتراثٍ شعبي حيال مشروع قانون الانتخاب الجديد؛ فمعظم الذين استُطلعت آراؤهم أكدوا عدم معرفتهم بالمشروع، كما عدم اهتمامهم به.
عدم الاكتراث الشعبي هذا ربما يكون مرده الأداء السيئ لمجالس النواب عموماً خلال العقود الماضية؛ إذ غاب الدور المهم لها، فتكرّست قناعة بضعف جدوى هذه المؤسسة المهمة، مع سيادة انطباع غير إيجابي بشأنها.
على النقيض من ذلك، بادرت النخب، ومنذ اللحظة الأولى للكشف عن مسودة مشروع القانون، إلى إبداء رأي وتقديم موقف حيال هذا التشريع الأهم في رسم ملامح المرحلة المقبلة، خصوصا أن القانون يعد نقلة كبيرة وإيجابية، تكفل -في حال إتمام متطلباتها- إحداث فرق ملموس في ماهية مجالس النواب.
الخطوة الأهم تمت، وهي التوافق بين مراكز صنع القرار على القانون المتطور الذي فاجأ النخب في مضمونه وتفاصيله. إذ شكل إقرار مشروع قانون انتخاب عصري يدفن "الصوت الواحد" بعد أكثر من عقدين من العمل به، مسألة في غاية الأهمية، تُقرأ بين سطورها جدية وإيمان بضرورة استكمال مسيرة الإصلاح التي بدأها الأردن، والمضي نحو المستقبل بثبات.
ويشي القانون من بين ثناياه بقناعة رسمية متعددة المستويات، مفادها أن مخرجات "قانون الصوت الواحد" الكارثية لم يعد ممكنا احتمالها، وأن تبعاته السلبية أخطر بكثير من إيجابياته، إن وجدت أصلا، على البلد ومسيرته.
بالفعل، فاجأ مشروع القانون النخب. فتجارب الماضي حيال فرص القانون الجديد كانت تفرض إيقاعها، فتثير الشكوك وتقلل إمكانية التفاؤل بتغيير "قانون الصوت الواحد"، وهو الهدف الذي شكل ربما الملف الأهم لوزير الشؤون السياسية د. خالد كلالدة. إلا أن رغبات الكلالدة لم تكن وحدها تكفي لتمرير مشروع القانون، بل توافق ذلك مع تطلعات مراكز القرار الأخرى.
ما فعلته الحكومة أمر يحسب لها. وبإعلان مشروع قانون الانتخاب الجديد وإقراره من قبل الحكومة، يكون الشوط الأهم قد تم تجاوزه. لكن ما تبقى ليس بالهين أيضا. فاليوم، ثمة دور على القوى السياسية، وتحديدا القوة الأكثر تأثيرا، وهي الإخوان المسلمون، بأن لا يضيّعوا مجددا فرصة إحداث التوافق الوطني المطلوب على هذا التشريع المهم، خصوصا أنه يلبي طموحات الإصلاحيين بالتغيير، وينقل العمل السياسي إلى مرحلة جديدة مختلفة، والأهم من كل ما سبق أنه يساعدهم في الخروج من أزمتهم وينزلهم عن الشجرة.
لتمرير القانون، على الجميع الابتعاد عن العدمية والمواقف المسبقة، وهذان من الأسباب التي تقف خلف موقف أحزاب بطلب رد مشروع القانون.
التحدي الآخر يكمن في المستفيدين من الوضع القائم، ومن التشريع الحالي على بؤسه. هؤلاء عليهم التخلي عن أنانيتهم ومكتسباتهم، والتفكير بالأردن حاضرا ومستقبلا، وبصورة مؤسسته التشريعية التي هي العنوان الأهم للدول الديمقراطية.
أما التحدي الأهم، فيتمثل في خلق رأي عام يؤمن بالقانون الجديد؛ بحيث تدرك أغلبية المواطنين أنه مؤثر في حياتهم، وأنه يرتبط بشكل وثيق بحل كثير من المشاكل التي تواجههم؛ اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها.
وخلق الاكتراث الشعبي يحتاج إلى خلية عمل تشرح وتفسر مشروع القانون للرأي العام، لخلق الإيمان المطلوب بالتشريع، وليشكل ذلك قوة ضغط تساعد في تمريره، وهو الأمر الذي تقع المسؤولية الكبرى بشأنه على كاهل مجلس النواب الحالي الذي باتت كرة الإصلاح اليوم في ملعبه.
فمشروع القانون الجديد منجز كبير يسجل للحكومة، لكن إقراره وتمريره سيكون المنجز الأهم لمجلس النواب الذي يدرك بعض من أعضائه النتائج الكارثية للوضع القائم حالياً على الحياة العامة، والضرر الكبير الذي يوقعه على مسيرة الأردن الإصلاحية.
تمرير قانون الانتخاب الجديد يغفر للحكومة والنواب كثيرا مما تقدم من ذنوبهم، وما تأخر منها؛ ويحسّن صورتهم في أذهان المجتمع، وأهم من ذلك أنه يعيد الثقة للشباب بمؤسسات وطنهم التنفيذية والتشريعية.