المارد السوري انطلق، خياراته النصر أو النصر
بعد سلسلة نكساتٍ عسكريةٍ، تعرضت لها فصائل المقاومة السورية في عام 2014 تمكنت هذه الفصائل في الشهور الخمسة الأولى من عام 2015، من تغيير الوضع الميداني لمصلحتها؛ ونجحت في تحقيق سلسلة من المكاسب والإنجازات الميدانية، فتغيرت موازين القوى، وتراجع النظام داخليا وخارجيا، وتآكلت قدراته البشرية المحلية وبات أكثر اعتمادا على الميليشيات الخارجية!
كشفت هذه الانجازات عن تنامي قدرات المقاتلين الاقتحامية، وخبراتهم القتالية، ما كشفت عنه هو ما أبدعته هذه المقاومة من استراتيجيات طال انتظارها ومن أهمها «استراتيجية بناء التحالفات»، الضرورية جدا لرفع مستوى التنسيق وتوحيد الجهد وقيادة العمل العسكري على الأرض، وتعظيم المخرجات ومن تجلياتها (جيش الفتح وغرفة عمليات فتح حلب وغيرها)، فكان نتيجتها أن فرضت واقعاً عسكرياً وسياسياً جديداً!
ولكن وعلى الرغم من مساحة التفاؤل العريضة التي سادت المشهد إلا أن إشكاليات ما زالت تنشر ضبابا على المشهد وتحجب كثيرا من الرؤية من هذه الإشكاليات:
أولا: ارتفاع الحديث عن دعم إقليمي لم يغادر الكلام ليصل إلى قرار عملي جاد بتسليح المقاومة أو فرض مناطق آمنة، فالمعارك التي حققت فيها المقاومة انتصارات مهمة لم تشهد سلاحا نوعيا مختلفا.
ثانيا: الدور الإيراني تجاوز كل الخطوط، حتى بلغ حد الوقاحة حين قالوها صريحة: «نريد دمشق وريفها»، فضلا عن أن مصالح إيران الاقتصادية في سوريا تزداد رسوخا، وبات النفوذ الإيراني هو الحاكم والمسيطر على تفاصيل الشأن السوري.
ثالثا: الدور الدولي: لقد فشلت جميع المشاريع الدولية في التوصل إلى حل سياسي للمأزق السوري، وما يقوم به «دي ميستورا» فإن سقفه لم يتجاوز مبادرات جزئية، تفتقر إلى التصور الشامل للحل، بمقدار ما تخلط الأوراق وتزيد المشهد تعقيدا.
رابعا: أما بالنسبة للنظام فإنه رغم الاضمحلال الواضح لقوته البشرية، الإ أنه ما زال يمتلك سلاح الجو وما زالت براميله المتفجرة وأسلحته المحظورة تمطر المدن والقرى وتدمرها على من فيها من البشر، وما مجزرة دوما عنا ببعيدة.
إلا أن هذا النظام بعد كل ما جره ويجره على الشعب السوري وعلى بنية الدولة من دمار شامل نال من كل مكونات الدولة (بشرا وعمرانا وموارد واستقلالا وسيادة)، إلا أن ضربات المقاومة النوعية كشفت عن إنهاك في قدراته وانهيار في معنوياته،. فللمرة الأولى منذ انطلاق هذه الثورة المباركة يظهر النظام في أضعف حالاته مستنزفاً، مرتبكا، وقد عبر عن ذلك السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد حين أشار في حديث له الى أن «النظام في موقف دفاعي، وقد يكون ذلك علامة بداية النهاية».
خامسا: على الصعيد المجتمعي فإن المجتمع لم يبلور حتى اليوم هوية وطنية جامعة، بعد أن خضع -على مدى خمسة عقود- لأعتى نظام استبدادي قمعي وحشي، فأقام جمهورية الخوف والظلم، تعرض خلالها الشعب السوري -بكل مكوناته- إلى أبشع عملية تفكيك منهجي نالت من نسيجه الاجتماعي ووحدته البنيوية!
سادسا: غياب الوحدة الميدانية بين فصائل المقاومة العسكرية من جهة، وغياب الوحدة السياسية بين فصائل المعارضة السياسية من جهة ثانية أفقدهما القدرة على استثمار أي إنجاز ميداني لصالح الحل!
ولكن يبدو أن المشهد السوري مقبل على تغيرات مهمة على المستوى الجيو-عسكري، وعلى المستوى الجيو- سياسي، وأصبح من الملح على المعارضة السياسية أن ترتقي إلى مستوى الإنجاز الميداني وأن تضع برنامجاً لمرحلة ما بعد «الأسد» يقوم على قاعدة الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها وسيادتها ووحدة أراضيها، برنامج يعتمد المشاركة وعدم الإقصاء وإدماج كل قوى المجتمع السوري في نظام تعددي ديمقراطي يكفل الحقوق المتساوية للجميع ويحقق العدالة ويبني الدولة الواحدة من جديد!
أما من لا يزال يصدعنا بمقولات معلبة بأن أوراق اللعبة السورية كلها بيد الخارج الأمريكي والإيراني فإننا -رغم عدم استهانتنا بهذه المقولة- إلا أننا على يقين بإن إرادة الشعوب لا يمكن أن تخضع لمعادلات المختبرات الدولية، فالشعب السوري حين طفح كيله انطلق دون استئذان، لم يطالب أحدا بدفع فاتورة الدم نيابة عنه.
لقد انطلق قطار الحرية ولن يتوقف، وليس أمام الشعب السوري العظيم إلا خيار النصر أو النصر فقط!