قانون الانتخاب.. إلى الأمام در
دعونا من "هذرمة" بعض الحزبيين الذين طواهم التاريخ، والشخصيات التي لا تريد أن تعترف لحكومة د. عبدالله النسور بالاختراق الكبير الذي حققته في (مشروع) قانون الانتخاب الجديد. جميعهم فوجئوا به، وكان أفضل مما توقع أكثر المتفائلين. والجميع، من دون استثناء، لن يقاوم الرغبة بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.
الإسلاميون قبل اليساريين سيشاركون في الانتخابات؛ فهذا أفضل قانون انتخاب في تاريخ الدولة الأردنية، ويؤشر على أن الدولة غادرت مربع القلق والتردد، وانتقلت إلى مرحلة تأمين الاستقرار سياسيا وديمقراطيا، بدل الاعتماد على المؤسسة الأمنية فقط.
سيمنح القانون، في حال إقراره من مجلس الأمة، الفرصة للجميع بالمشاركة في العملية السياسية، وينهي حالات المقاطعة التي حكمت المسار البرلماني منذ عقدين.
كان الاعتقاد السائد أن الفوضى المستمرة والمتفاقمة من حولنا، وتزايد مصادر التهديد، سيقويان التيار المحافظ، بما يفضي إلى تراجع خطط الإصلاح. وقد راهن سياسيون كثر في الأسابيع الأخيرة على بقاء قانون "الصوت الواحد" من دون تغيير.
لكن مشروع القانون الذي كشفت الحكومة عن مسودته أول من أمس، مثّل استدارة كاملة عن مدرسة حكمت الدولة بمخاوفها لسنوات طويلة، وتركت عملية الإصلاح الديمقراطي تعاني من التعثر والمراوحة في منتصف الطريق.
لن أعدد مزايا القانون الجديد؛ فقد عرضتها وسائل الإعلام مفصلة، ونص القانون متاح للجميع على "الإنترنت"، ونشرته الصحف كاملا أمس. لكن القفزة الكبرى في القانون، من وجهة نظري، تتمثل في اعتماد مبدأ التمثيل النسبي لأول مرة، والذي من دونه لم تنجح دولة في العالم في الانتقال إلى مصاف الدول الديمقراطية، هذا إذا استثنينا النظام الانتخابي الأميركي، والذي لا يفهمه قطاع غير قليل من الأميركيين أنفسهم، لشدة تعقيده.
وتكمن أهمية النظام النسبي، بتطبيقاته المتنوعة، في ميزة أساسية واحدة، هي أنه يمنح كل مجموعة سياسية أو وطنية "غير حزبية" حقها من المقاعد بما يعادل قوتها الصوتية، بخلاف نظام الأغلبية "نظام 89" الذي يعطي أصحاب أعلى الأصوات كل شيء، حتى ولو كان الفارق صوتا واحدا. و"النسبي" بهذا المعنى هو أقرب نظام يحقق العدالة في التمثيل.
وبإعلان مشروع قانون الانتخاب، تكون حكومة د. النسور قد أوفت بكامل ما التزمت به من حزمة تشريعات سياسية، أمام الشعب والملك.
أقر البرلمان قوانين الأحزاب والبلديات واللامركزية، وكلها لا تخلو من النواقص والعيوب. لكنها تشكل مجتمعة خطوة كبيرة إلى الأمام. وليس هناك ما يمنع تعديلها بعد تجريبها في الممارسة.
قانون الانتخاب هو سيد هذه التشريعات، وكانت كلها ستكون بلا معنى إذا لم يواكبها قانون متطور وتقدمي للانتخاب. وهذا ما كان بالفعل.
وفي حال إقراره من مجلس النواب، فإن أعضاء المجلس الحالي سيدخلون مع حكومة النسور التاريخ؛ الحكومة التي دفنت "الصوت الواحد"، والمجلس الذي تبنى بشجاعة نظاما انتخابيا سيصبح مع مرور الوقت المبدأ الثابت في الانتخابات بمختلف أشكالها في الأردن.
يبقى على مؤسسات الدولة أن تكمل مهمتها، بتحصين الجوانب المتعلقة بنزاهة الانتخابات؛ فأفضل التشريعات تغدو بلا قيمة إذا ما فقدت الانتخابات نزاهتها. والبداية ينبغي أن تكون بالهيئة المستقلة للانتخاب.