الكرة في "العبدلي"

رغم وجود بعض الملاحظات على مسوّدة مشروع قانون الانتخاب الجديد، الذي أطلقته الحكومة أول من أمس، عبر مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء د. عبدالله النسور، ووزير الشؤون السياسية د. خالد الكلالدة، فإن التقييم الأولى لما أعلن عنه كان تقييما إيجابيا، يمكن البناء عليه، ومن شأنه خلق نقلة نوعية في العمل السياسي والبرلماني، الأمر الذي أشعرنا بأننا نغادر مربع "الصوت الواحد"، الذي جلسنا فيه طوال 24 سنة كاملة، مراوحين في المكان نفسه.


أبرز الملاحظات على مسودة مشروع القانون، كانت غياب القائمة الوطنية التي جاءت عبر القانون السابق، فربما كانت التجربة السلبية لتلك القوائم سببا في تجاوزها في المسودة الحالية، بيد أن ذلك لا يمنعنا من القول، بأنه كان الأجدر منح فكرة القوائم الوطنية عمرا أطول، حتى تستطيع بناء نفسها، وتجويد النصوص الخاصة بها، من خلال مواد محكمة لا تقبل التأويل، وإيجاد عتبة تصويتية، بيد أن كل ذلك لم يحدث وتم تجاوز القوائم كلها.


ما سبق لا يعني ان ما صدر كان سلبيا، وإنما يمكن وصفه بإنقلاب إيجابي على فكرة "الصوت الواحد"، وتجاوز لفكرة الدوائر الصغيرة التي شتتت القوة التصويتية، فالمشروع الجديد فتح الباب لإعادة توزيع الدوائر الانتخابية من جديد باتجاه توسيعها، وهذا بحد ذاته يشكل تطورا كبيرا، من شأنه إعادة الاعتبار للنائب، وتوسيع مهامه، وخلق حالة تنافسية بين مدارس سياسية مختلفة، وأحزاب، وتكتلات فكرية، ومغادرة فكرة نائب الحي أو الشارع أو المنطقة واللواء.


كما أن تقليص عدد مقاعد مجلس النواب، بواقع 20 مقعدا، وجعلها 130، هو تطور تشريعي مهم، وخاصة أن وجود 150 نائبا تحت قبة التشريع، كان يشكل رقما كبيرا ومبالغا فيه لبلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 7 ملايين نسمة بالحد الأعلى.


رغم وجود ملاحظات هنا أو هناك، على بعض مواد المشروع الجديد، وخاصة طريقة احتساب الأصوات وشكلها، فإن المهم في الأمر، أن الحكومة نجحت بامتياز في تقديم مشروع قانون مختلف، شكلا ومضمونا، عن القانون الحالي، ويمكن القول إنها غادرت مربع "الصوت الواحد"، وقدمت لنا رؤية جديدة، لها صلة بالقوائم والتمثيل النسبي، كما أنها شددت العقوبات على كل من يتعامل بالمال السياسي، لجهة شراء أصوات ناخبين أو التاثير عليهم، ونصت على عقوبات صارمة في هذا الصدد.


مشروع القانون بشكله الراهن قطع نصف طريق التشريع، وتبقى معرفة ما سيفعله مجلس النواب بشأنه، فالحكومة وضعت الكرة بكامل استدارتها في مرمى مجلس النواب، الذي بات عليه إثبات رغبته في الإصلاح، وتقديم مشروع قانون يتوافق مع ما جاء في مواده من قبل الحكومة، وتجويد المخرج من دون الانقلاب عليه.


بعض الخبثاء طرح سؤالا استفهاميا مفاده: هل سيسمح النواب الحاليون بإقرار مشروع قانون من شأنه أن لا يمكّن ما نسبته 85 % منهم، من العودة للبرلمان في العبدلي لاحقا؟! تجربتنا في إقرار مشاريع قوانين الانتخاب السابقة ليست إيجابية، كما أن تجربتنا الراهنة في إقرار مشروعي قانوني البلديات واللامركزية اللذين انقلب فيهما النواب في اللحظات الأخيرة على أنفسهم، وعلى لجنتهم التي جاءت بتوصيات إصلاحية، وعادوا وتشددوا، حتى بدوا محافظين في بعض المواد، هذا كله يجعلنا غير متفائلين، ويدفعنا لوضع أيدينا على قلوبنا مما سيجري تحت القبة.


ما سيزيد الأمر تعقيدا وضبابية، هو الخوف من أن يكون بعض مراكز القرار لديهم وجهات نظر مغايرة لما جاء في مشروع القانون، وهذا يعني أنه سيكون أمامنا مخاضات واسعة في المستقبل الذي بات على ما يبدو قريبا.
المهم، الكرة باتت في مجلس النواب، وبات لقاطني "العبدلي" الكلمة الفصل في إقرار مواد القانون، وتأكيد الإصلاح أو الذهاب باتجاه التحفظ في مواده.