مقتل الرجل الثاني في «داعش».. الحقيقة والدلالة والتأثير

أعلن البيت الأبيض في الأسبوع الفائت، مقتل فاضل الحياري الملقب بـ«حجي معتز» والمعروف بـ«أبومسلم التركماني» الرجل الثاني في قيادة تنظيم «داعش»، وذلك في غارة جوية أميركية، أثناء تحركه في سيارة قرب الموصل في العراق، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مقتل التركماني، فقد أشار البنتاغون في 19 ديسمبر 2014 إلى مقتل عدد من القادة في غارة جوية من بينهم أبومسلم التركماني، وفي فبراير 2015 تداولت وسائل الإعلام أيضاً عن مصادر استخباراتية مقتله أيضاً، وهو ما كان محط الحيرة والتساؤل، ولكن تظل المعلومات التي يدلي بها الأميركيون، خصوصاً إذا أعلن عنها البيت الأبيض بمثل ما جرى في عملية مقتل أبوسياف، دقيقة إلى حد كبير إذا ما قورنت بالمعلومات والأخبار التي تنشرها المصادر والجهات العراقية الرسمية، التي لو تم الأخذ بها لكان أغلب قيادات الهيكل التنظيمي في «داعش» قد تم القضاء عليها وتصفيتها، فالمصادر العراقية الرسمية كانت تقف خلف نشر الأخبار المتعلقة بزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، تارة بمقتله، وتارة بإصابته إصابة تجعله غير قادر على قيادة التنظيم، فمنذ بدء الغارات الأميركية على معاقل التنظيم في العراق تم الإعلان من المصادر العراقية عن مقتل البغدادي أو إصابته مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وتكرر في كانون الثاني (يناير) 2015، ومطلع آذار (مارس) 2015، وهو ما نفاه العقيد ستيف وارن المتحدث باسم البنتاغون في أبريل 2015 بقوله: «لا شيء يشير إلى أن البغدادي قد أصيب أو قتل»، وأضاف أن زعيم الدولة لم يكن هدفاً للغارات التي جرت في إحدى المرات التي تمت الإشارة إليها، بل ذهبت بعض المصادر العراقية إلى الجزم بإصابة البغدادي، وتعيين خليفة له هو عبدالرحمن مصطفى المعروف باسم أبوعلاء العفري، وتلك الأنباء نجدها قد احتلت حيزاً كبيراً من وسائل الإعلام الغربية نظراً إلى اعتمادها على المصادر الحكومية العراقية، فمثلاً اعتمدت مجلة «نيوزويك» الأميركية و«الغارديان» البريطانية في نهاية أبريل 2015 على تصريحات هشام الهاشمي، مستشار الحكومة العراقية في كون البغدادي أصيب بجروح خطيرة في غارة جوية غرب العراق، وأن «المدعو أبوعلاء العفري الذي سبق تنصيبه وفقاً لتصريحات الهاشمي نائباً للخليفة قد تم تثبيته زعيماً بديلاً لتنظيم داعش، ونسب حينها إليه العديد من المهام الكبرى في إدارة التنظيم، وبدأت الكثير من وسائل الإعلام تخوض في ماهية الزعيم الجديد، وبعد مضي أقل من شهر عادت وزارة الدفاع العراقية بالإعلان عن مقتل من وصفته بالرجل الثاني في تنظيم داعش وهو العفري، في ضربة جوية للتحالف على مسجد كان مجتمعاً فيه مع أعضاء آخرين من التنظيم في شمال البلاد، وهو ما سارعت إلى نفيه مجدداً البنتاغون، وقالت إنها ليست لديها معلومات تؤكد مزاعم العراق عن مقتل العفري، أما ما يتعلق بأهمية مقتل أبومسلم التركماني، فهي تنبع من مكانته القيادية في التنظيم، ومنصبه كرئيس للمجلس العسكري في تنظيم دولة داعش، إذ يقوم هذا المجلس وفق المعلومات المتداولة بكافة الوظائف والمهمات العسكرية، كالتخطيط الاستراتيجي، وإدارة المعارك، وتجهيز الغزوات، وعمليات الإشراف والمراقبة والتقويم لعمل الأمراء العسكريين، إضافة إلى تولي وإدارة شؤون التسليح والغنائم العسكرية، ولكن السؤال المهم نقاشه، هل مقتل التركماني كونه الرجل الثاني في التنظيم يشكل ضربة قاصمة لتنظيم داعش، وما هو مدى تأثير الاستهداف لقيادات مهمة في التنظيم في تحجيم قوته وقدراته؟ لاسيما إذا عرفنا أن أبومسلم التركماني يعتبر هو الشخصية الثالثة التي تتولى هذا المنصب القيادي، إذ تولى منصب قائد المجلس العسكري لأول مرة في عهد التنظيم حجي بكر، سمير الخليفاوي، وهو عقيد بعثي سابق في الجيش العراقي، وقد قُتل في عام 2013، ثم شغل المنصب بعد مقتله في سورية في كانون الثاني (يناير) 2014 أبوعبدالرحمن البيلاوي ضابط برتبة مقدم، وقد قتل في 4 حزيران (يونيو) 2014، وهو الذي أطلق التنظيم على اسمه معركة الموصل، وتولى رئاسة المجلس العسكري من بعدهما أبومسلم التركماني، أي أن التنظيم على مدى السنوات الثلاث الماضية فقد أهم ثلاثة هم على رأس قائمة قيادات الصف الأول، وأهم المقربين للبغدادي، ومع ذلك ظل التنظيم في التمدد والسيطرة، فبعد سقوط تدمر أصبح يسيطر على قرابة النصف من الجغرافية السورية، والتي تشكل البادية السورية قسماً كبيراً منها، وعلى ما لا يقل عن 30 في المئة من مساحة العراق، وقبل الدخول في الإجابة عن هذا التساؤل الكبير نقول إنه لا شك أن مقتل الرموز القيادية في مثل هذه التنظيمات المسلحة لها أثر ملموس داخل البنية التنظيمة، ولا يمكن بحال من الأحوال نفي ذلك، وفي ذات الوقت قد لا يكون هو بالأمر الكافي للقضاء على التنظيم المسلح، فقد يقوم البعض بإجراء مقارنة بين القاعدة وداعش، وكيف أن سياسة أو أسلوب «قطع الرأس» الأميركية وهو المصطلح الذي يستخدم في وصف استراتيجية قتل قادة الجماعات الإرهابية، قد أحدثت تراجعاً واضحاً في تنظيم القاعدة، وساهمت تلك الاستراتيجية بشكل كبير في تحجيم حركته وتقليص قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف محددة في مختلف مناطق العالم، فعمليات اقتناص وقتل قيادات تنظيم «القاعدة» في السنوات الأخيرة بدءاً بزعيمها ابن لادن، ومروراً بأبرز قياداته، من الصف الأول كأبويحيى الليبي والعولقي وسعيد علي الشهري ومختار بلمختار، وأخيراً أهم قياداته في اليمن وهم إبراهيم الربيش ونصر الأنسي وزعيمه ونائب الظواهري ناصر الوحيشي، مقتل تلك القيادات لعب دوراً كبيراً في أفول وتراجع تأثيرها في الجهاد العالمي، وأصبح زعيمها الظواهري لا يملك من الواقع إلا الاسم، ومن يقرأ رسالته المطولة المرسلة إلى البغدادي التي سربت أخيراً، وكانت موجهة إلى شخصية اسمها أبوصهيب والمقصود به أبوعلي الأنباري أحد أهم المقربين للبغدادي، يدرك تماماً حقيقة هذا الأمر، ولكن هل يمكن أن ينطبق ذات الأمر على داعش؟ وما هو تأثير مقتل قياداته على البنية التنظيمية؟