الأخوان الحبيبان غازي الخطيب وزياد أبو غنيمة رحمهما الله

ودعنا في الأيام الماضية أخوين عزيزين وعلمين من أعلام الإخوان المسلمين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والتزموا خط الدعوة غير مبدلين ولا مغيرين ولا خاذلين لدعوتهم بعد ما تكالب عليها الأعداء ورموها عن قوس واحدة.
الأخ غازي الخطيب رحمه الله أخ محبوب باسم دمث واقعي جاد عملي معطاء كريم، شعاره (أينقص الدين وأنا حيّ) فلا ترى مكاناً يحتاج إلى بذل وعمل وعطاء إلا وسارع إليه بكل همّة وروح وثّابة، وعطاء جزيل، وإذا ضاقت الدنيا بالإخوان لجأوا إليه فيفيئون إلى صدر رحب ونفس رضية ويد ممدودة بالخير والبذل والعطاء.
عرفت الأخ أبو أنس عن قرب فكنت وإياه في أسرة إخوانية واحدة، وعملنا معاً في قسم الأسر في الشعبة، فكان نعم الأخ الحاني الودود، صاحب رأي ومشورة، وقّاف عند الحق، قليل الكلام كثير الفعال، فرحمة الله عليه وأسكنه الله فسيح جناته.
أما الأخ زياد أبو غنيمة رحمه الله فقد كان رجلاً صاحب مواقف جريئة في الحق، ذو ثقافة غزيرة وقلم سيّال، نافح عن دعوة الإخوان رغم اختلافه مع قيادة الإخوان في مرحلة من المراحل إلا أنه بقي يدافع عن الجماعة، ويرد على الخصوم، ولم تأخذه العزة بالإثم ولم ينتصر لنفسه لأن الدعوة عنده أكبر وأعظم من كل الرجال والخصومات والاشكال، ورغم أن تخصصه في الهندسة إلا أنه اشتهر بأنه مؤرخ الدعوة بل مؤرخ الوطن، وكتب مجموعة كتب تؤرخ لمراحل من تاريخ الأردن، وتاريخ الدولة العثمانية حيث درس في تركيا، وكان من أصدق الناس في الدفاع عن فلسطين والأقصى في محنته التي يعيشها منذ أن احتل، وبقي أبو محمود رحمه الله على العهد في العطاء إلى آخر أيامه، وهو يُتحفنا بمحاضراته القيّمة ولقاءاته المفيدة وكتاباته التي تنتصر للحق وللجماعة وتذبُّ عنها كيد الكائدين وغدر الغادرين إلى أن لقي ربه راضياً مرضياً.
ونحن نتحدث عن أخوين قد لقيا ربهما وألسنة الناس وهي أقلام الحق تثني عليهما ثناءً عاطراً وذكريات طيبة، فإننا نقف مع سيد قطب رحمه الله مجدد الفكر الإسلامي الحديث الذي صادف بالأمس 29/8/2015م ذكرى استشهاده التاسع والأربعين، ففي الرسالة الثانية من سيد لأخته يتابع سيد قطب حديثه عن الموت بصورة يوضح فيها أن الإنسان يمكن أن يجعل من الموت بداية حياة له في الدنيا قبل حياة الآخرة إذا عاش لهدف عظيم وضحى من أجله، وأفاد فيه الناس وأثر في الحياة لتكون امتدادا وأضعافا مضاعفة لعمره القصير، ويبين أن الحياة ليس بعدد السنين ولكن بعدد المشاعر، وما يتركه الإنسان من أثر وتأثير في حياة الآخرين من سلوك وعلم وأخلاق وعطاء ونماء وزكاة تنمو بعد موته، فيموت عندما يموت وهو راضٍ مرضي مطمئن، ويوضح ذلك في الرسالة الخامسة (كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير) ويقول في موضع آخر: (لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة! لقد أخذت في الحياة كثيراً، أعني لقد أعطيت!! أحياناً تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء لأنهما يعطيان مدلولاً واحداً في عالم الروح!! في كل مرة أعطيت لقد أخذت( يقصد عندما تعطي العلم أو المال أو الجهد تأخذ الأجر الكبير) لست أعني أن أحداً قد أعطى لي شيئاً، إنما أعني أنني أخذت نفسي الذي أعطيت؛ لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا واستفادوا).
ثم يمضي في الرسالة الثالثة فيقول في ذات السياق:
عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!!
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا، وليست الحياة بعدد السنين، ولكنها بعدد المشاعر، وما يسميه (الواقعيون) في هذه الحالة (وهمٌ) هو في الواقع (حقيقة) أصح من كل حقائقهم! لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة، جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً.
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال!
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، وتضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!