ممارسة ديمقراطية أخرى.. في مجلس النواب.

خلال مدة قصيرة شهدتُ في مجلس النواب ممارستيْن ديمقراطيتين راقيتيْ الاداء والمعنى، كانت الاولى في شهر آذار الماضي حينما دُعيت وآخرون من المختصين والمهتمين للادلاء بشهاداتنا أمام لجنة التحقيق التي شكلها المجلس برئاسة النائب أمجد المجالي بناءً على استجواب النائب محمود الخرابشة بشأن ملف المفاعل النووي وتعدين اليورانيوم، وقد كتبت عن ذلك في حينه (الرأي /7 نيسان 2015 ).

أما الممارسة الثانية فكانت في الشهر الماضي (19 آب) حيث قامت اللجنة الصحية في مجلس النواب برئاسة النائب الدكتور رائد حجازين بدعوتي مع عدد من المعنيين لتدارس بعض المشاكل والقضايا الصحية العامة خصوصاً بعد أن اشتكى وزير الصحة في الآونة الاخيرة من الأزمة الحادة التي تعانيها وزارته نتيجة زيادة وتيرة استقالة الاطباء الاختصاصيين للعمل في القطاع الخاص وفي الخارج، وقد عقد الاجتماع برئاسة رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة وحضور رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور ووزير الصحة الدكتور على حياصات والوزراء السابقين الدكتور ياسين الحسبان والدكتور ممدوح العبادي والدكتور نايف الفايز وكاتب هذه السطور ونقيب الاطباء الدكتور هاشم ابو حسان وعدد من النواب اعضاء اللجنة بالاضافة لرئيسها..
من ناحيتي اخترت مشكلة محددة هي هجرة الكفاءات من وزارة الصحة فطرحتها مكرراً ما قلته عنها في مناسبات عديدة سابقة كان آخرَها اجتماعٌ دعت اليه نقابة الاطباء في 16 /6 /2015 لنفس الغرض وكتبت عنه في حينه (الرأي 7/ 7/ 2015) وشرحت الحل الذي اقترحته وما فتئت ادعو له منذ خمسين عاماً ويتلخص في السماح للاطباء الاختصاصيين بعد سنوات محددة من خدمتهم في الوزارة بالعمل الخاص خارج اوقات دوامهم الرسمي ، والهدف من ذلك هو الاحتفاظ بكفاءاتهم للارتقاء المستمر بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في مراكز ومستشفيات وزارة الصحة، ومواصلة تدريب الافواج الجديدة من اطبائها، وهو حل طويل الأجل لابد من رفده بحل عاجل يتضمن استخدام اطباء اختصاصيين عاملين في القطاع الخاص من ذوي الكفاءات العالية والمطلوبة وذلك حسب نظام العمل الجزئي Part Time ، ورغم ان هذا الحل المزدوج المعمول به في كل دول العالم باستثناء اثنتين او ثلاث يحمل في طياته عيوباً متفاوتة بين هذه الدولة او تلك لكنها بمجملها يمكن ضبطها اداريا فضلا عن أنها لا تقاس بالعيوب التي ثبت مع الوقت ان نظام التفرغ (!) القائم قد أدى إليها، فعدا عن تسرب الكفاءات هناك الانحرافات السلوكية العديدة التي استجدت كالتحايل على ( منع العمل في القطاع الخاص) وما يرافقه من فساد مالي واداري.
وبعد أن ادلى الحاضرون بأرائهم المتنوعة بتنوع القضايا المطروحة رد رئيس الوزراء عليهم جميعها، أما بالنسبة لهجرة الكفاءات فأوضح بأن الأوان قد آن لاختراق الحاجز الذي استمر طويلاً واحدث ضرراً بالغاً وهو يفصل فصلا حاداً بين القطاعين الطبيين الخاص والعام وذلك بفتح المجال لجواز الجمع بين الخدمتين تبعاً لنظام منضبط يسمح للاختصاصي في وزارة الصحة بالعمل في القطاع الخاص في وقته الخاص والتعاقد مع الاختصاصيين في القطاع الخاص للعمل في وزارة الصحة ثم طلب من وزير الصحة تشكيل لجنة من وزراء الصحة السابقين لوضع هذا النظام.
وبعد.. فأني إذ أعرب عن سعادتي لتفهم رئيس الوزراء لهذه المشكلة المزمنة كما احيي مجلس النواب على احتضانة لمثل هذه الممارسات الديمقراطية الحقة ، فأني أتمنى على وزير الصحة ورئيس اللجنة الصحية في المجلس المبادرة الى تشكيل اللجنة المقترحة.. وانا لمنتظرون !