التمويل الاجنبي ...... لماذا

لماذا يعتصر شعورنا الوطني بناء بعض منشآتنا الوطنية بمال أجنبي مما جاد به اقتصاد دول العالم الأول أمام ضعف إدارتنا للموارد الإقتصادية والبشرية ، إن ضعف ادارة مواردنا يجعل من دولتنا دولة تتكل باقتصادها على اقتصاد غيرها من الدول مما يحد من استقلاليتها السياسية كما ان ضعف ادارة مواردنا يقلل من ثقل الموارد البشرية امام الحكومة فيحيل الشعب شعبا غير مسموع الكلمة امام حكومته بما يتنافى واسس الديمقراطية باعتبار الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه ..

 ومهما طال تلقي التمويل الأجنبي فإنه لا يخرج عن كونه تدبيرا مؤقتا كما لا يعدو أن يكون عاملا مساعدا لا عمادا للتنمية الوطنية المستدامة لأن التمويل الأجنبي وسيلة ولا يصح باي شكل من الأشكال ان يكون غاية . و يكشف الواقع الإقتصادي أن التمويل الأجنبي ضرورة لا ثان لها على الصعيدين الحكومي وغير الحكومي في دول العالم الثالث ؛ وتبرز اهميته في قطاع الخدمات لخلو هذا القطاع بالذات من المساعدات المحلية ويرجع سبب خلوه من المساعدات والتبرعات المحلية لجهلنا بأهمية الخدمات الاساسية للفئات المهمشة في مجتمعاتنا و افتقارنا لذهنية الكفالة المجتمعية..

ولا نعي اهمية توفير الخدمات الاساسية في التنمية البشرية التي تعتبر اكبر وارد اقتصادي يسهم في تسيير العجلة بين قطاعات الإقتصاد المختلفة وتداول الأموال بين الطبقات المختلفة في المجتمع الواحد .

 ومن اهم هذه المساعدات ما تقوم به جمعيات محلية اردنية تنهض بملفات الفئات المهمشة قانونيا مجتمعيا واقتصاديا عن طريق تقديم مساعدات تعتبر مساعدات اولية وفقا للمعايير الدنيا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووفقا للإحتياجات البدائية في عالمنا المعاصر ؛والتي لا تحمل اي اجنده غربيه كما يدعي البعض بل تلبي احتياجات انسانية تحمل معاني التكافل المجتمعي والتنمية البشرية ..

وهي على سبيل المثال لا الحصر المساعدات القانونية وخدمات التقاضي المجاني، التطبيب، التمكين الإجتماعي وبرامج التمكين الإقتصادي ، حيث لا تجد هذه الجمعيات ملاذا لإسعاف المهمشين وتقديم العون إلا من خلال التمويل الأجنبي لشح التمويل المحلي لا بل انعدامه. ويقيد حصول الجمعيات مقدمة المساعدات الأساسية قيدان :-

اولهما:- القوانين المحلية نذكر منها احكام المادتين 4و5 من قانون الجمعيات الأردني لعام 2008 حيث تفرض المادتان شروطا رقابية واجراءات مقيدة ودقيقة جدا من خلال مجلس ادارة السجل الذي يرأسه وزير التنمية الإجتماعية بعضوية ستة من ممثلي وزارات واربع ممثلين من قطاع التطوع المجتمعي ؛ بحيث يمارس هذا المجلس مهام رقابية وصلاحيات متابعة وتدقيق واصدار تعليمات تحت طائلة رفض التمويل اضافة للتحري المستمر من قبل مختصين ومشرفين ميدانيين حول مدى مطابقة المشروع الممول للنظام الداخلي للمؤسسة وغاياتها وحول منطقية اسعار المشروع والحاجة الحقيقية لضرورة تنفيذه في المجتمع من حيث نوع الخدمة والفئة المتلقية ومدة المشروع والتحقق من عدم توفر الخدمة الحكومية .


 وثانيهما:- صعوبة تلقي التمويل الأجنبي حيث ان جهات التمويل عبارة عن مؤسسات عالمية تسعى لتمويل إيصال الخدمات لمحتاجيها في حال غياب البديل الحكومي؛ حيث تتقدم الجمعية بطلب تمويل نوع معين من الخدمة او تولي احتياجات فئة معينة من المهمشين بحيث ياتي الطلب على شكل مشروع يحمل تفصيل مهني دقيق تحدد فيه المشكلة وحقيقة الإحتياج وتوصف فيه المصروفات المطلوبة لغايات ايصال المساعدة الإنسانية للمحتاجين الحقيقيين عبر جداول بالفلس الاردني لاقل تكاليف ممكنة تحت طائلة رفض تمويل المشروع من الممول ، اضافة لمتابعة الممول للخدمة المقدمة والتقييم المستمر وفقا لمعايير قاسية جدا لحرفيتها التي تتوافق ومعايير المنح العالمية .

و يعكس مدى مصداقية الجمعية قبولات سنوية او رفض متكرر من الدولة والممول – كل على حدة- . ومن المفارقات التي تحدث للاسف الشديد تحويل التمويل الأجنبي حجة لمزاودة مؤسسات المجتمع المدني الحكومية منها وغير الحكومية على بعضها البعض وبمناظير مختلفة كل وفق اهدافه وظروف نشأته ومصادر تمويله واتجاهاته ووفقا لإدعاءات مرنة قد تصل للتخوين رغم كلية التمويل الاجنبي للدولة - إن جاز التعبير - !

 إن بذل الجمعيات الجهد لجعل المساعدات الاساسية متاحة لمتلقيها لمجرد ثبوت الإحتياج بغض النظر عن الدين او العرق او الإنتماء السياسي للفئة متلقية المساعدة ودون اية شروط يشكل دليلا قاطعا بعدم وجود اجندة استعمارية تنفذ من خلال هذه الجمعيات مقدمة الخدمات العامة والتي ابعد ما تكون عن احزاب سياسية تتلقى دعما من تحت الطاولة لكسب مؤيدين للانتماء السياسي او الطائفي وغيره ؛ ولا يتصور ان يعزز تقديم الجمعية للمساعدة القانونية من خلال تمويلات غير مشروطه – والتي لا تقدم إلا من خلال قانون محلي ومحاكم محلية - إلا تعزيز شعور الإنتماء الوطني والمجتمعي واحترام منظومة العدالة وتعزيز المواطن الصالح فيه ؛ وهنا يبرز دور الجمعيات المحلية في تعزيز الوطنية والإنتماء .

 إن الدور التي تقوم به الإتهامات هو نخر للوطنية لان النهوض بالمجتمع لا يتم بتهميش فئوي للبشروللاسف يتبنى هذا الدور أفراد ومؤسسات يتفننون في سياسة الإقصاء؛ باذلين الجهد في إعاقة الجهود التنموية مما يتسبب في عرقلة التطوير وصرف انظار المجتمع عن ضرورة التكاتف المجتمعي وعن الإلتفاف حول المصلحة الفضلى لدولتنا ؛ فهم لا يحملون خطط بديلة لجعل الخدمات الأساسية حقا دائما لمحتاجيها بتمويل محلي ولا يحملون خططا جدية للنهوض باقتصاد الوطن لتحقيق الإستقلال الإقتصادي كما انهم لا يولون محاربة الفساد اولويته القصوى والذي يعتبر ملفا هادرا للمال العام على حساب احتياجات الفقراء.

 إن الدولة الخالية من الفساد هي دولة جديرة بادارة مواردها وغنية عن التمويل الأجنبي وان فكفكة الملفات الوطنية بذريعة محاربة التمويل الأجنبي مقابل غض النظر عن الفساد لا يصنع طريقا من الوحدة الوطنية والتنمية المستدامة ولا يصل باقتصاد البلد للإكتفاء .

 إن فقراء مجتمعاتنا العربية غير جاهزين بعد لقطع خدمات ممولة تمويلا اجنبيا عنهم ؛ فهم لا يستحقون الإقصاء عن دائرة العدالة والتطبيب والتمكين الإقتصادي؛ واية شعارات قومية تحارب التمويل الأجنبي عوضا عن وضعها لخطة جدية تنهض بالإقتصاد الوطني وتحارب الفساد وتؤسس لبديل الخدمات الممولة هي شعارات برجوازية جوفاء تجرد الفئات المهمشة من الإنتماء المجتمعي والوطنية كونها شعارات خاوية من الحلول والبناء . المحامية مرام مغالسة ناشطة في حقوق الإنسان