عن الراحل الغالي “زياد أبو غنيمة”

كان أبو محمود في حُكم الأجيال أقرب إلى والدي، ومع ذلك فقد كان صديقي، وشهدت بدايات التسعينيات بيننا مساجلات ومناكفات، فقد كان رحمه الله يرأس تحرير "الرباط”، الناطقة بلسان الاخوان المسلمين، وكنت أرأس تحرير "آخر خبر” الناطقة بلساني، وكلّما اقتربت من الحركة بخبر أو مقالة، كان لا يوفرّني، ولأنّه اعتبرني ممثلاً شخصياً لجمال عبد الناصر، كانت مداعبته الدائمة لي: «يا أخي إنتو الناصريين عمركم ما بتتغيروا»!
ولستُ أنسى الغالي، الأستاذ زياد أبو غنيمة، وهو يسحبني إلى جانب الردهة في المستشفى الإسلامي، وكُنت أقود المقعد المتحرك الجالس عليه ابراهيم سكجها، فيهمس في أذني صاعقة: الطبيب يقول إنّ على ساق والدك أن تُبتر، وليس هناك من حلّ آخر.
وبالتأكيد، فإنّ إبراهيم، رحمه الله، لم يوافق، وكان ذلك سبب رحيله المُبكّر، ولكنّ قبلها بشهر كُنت في تونس أجري مقابلة مع الراحل ياسر عرفات، وسألني عن والدي. حدّثته عن حالته الصحية، فنصحني بطبيب فلسطيني معروف، كان في الكويت وهُجّر، وهو يعمل في المستشفى الاسلامي الآن. فور عودتي هاتفت العمّ زياد، وشرحت له ما جرى في تونس، فقهقه على طريقته المحبّبة، وقال: والله عظيم، إذا سُمعتنا وصلت لأبي عمار يعني أمورنا ممتازة!
بعد قليل من الأشهر، كُنتُ أجهّز لحفل تأبين والدي في أربعينه، فكان اسم زياد أبو غنيمة أول ما ألحّ على البال، وقال أبو محمود في المناسبة، في صديقه الراحل، ما يأتي من كبير، عن كبير، ولكنّ مناكفاتنا السياسية تواصلت، وتواصلت، ومداعباته الانسانية الحميمة لم تنته، فبعد رحيل أخيه حسّان التقينا، وحدّثته عن رسالة مكتوبة حميمة تلقيتها منه قبل رحيله بشهر، يشكو فيها وضعه في صحيفته بعد منعه من النشر، فردّ: «طبعاً، ما إنتو من طينة واحدة، يعني لمين بدّو يشكي؟».
زياد ابو غنيمة اختار خلال سنوات حياته الاخيرة ان يتفرغ للتأريخ والتوثيق، بعيداً عن متاهات ومناكفات السياسة اليومية، فالسياسة أخذت من عمره الكثير، ومنذ شبابه المبكر كان من أعمدة صحيفة الكفاح الاسلامي، ولا يمكن لأحد ان ينسى أداءه خلال انتخابات «التسعة والثمانين»، فقد كان وزير اعلام الاخوان المسلمين والناطق بلسان حملتهم، ويسجل له الكثير من النجاح.
راحلنا الكبير يستأهل منا الكثير من الكتابة، ولكن المساحة تضيق، فرحمك الله يا أيها الكبير.