التسخين على وقع قانون الانتخاب

كما كان متوقعا وقد فرغ البرلمان من قانوني البلديات واللامركزية، بدأت الحكومة التحضير لتقديم (مشروع) قانون الانتخاب. والقانون قد يحول إلى مجلس النواب قريبا، مع إرادة ملكية بإضافته على جدول أعمال الدورة الاستثنائية؛ ليس لبحثه في هذه الدورة، بل لتمكين المجلس من إحالته إلى اللجنة القانونية التي ستأخذ وقتها في بحثه، فلا نبقى حتى انعقاد الدورة العادية القادمة ليتمكن المجلس من تحويله إلى اللجنة المختصة وبدء الحوار حوله.
خبر أمس هذا سخن الساحة السياسية بطريقة مختلفة، وأخذها الى منحى آخر، بعد أن كانت قد اشتعلت بالتكهنات حول مستقبل الحكومة ورئيسها في ضوء تصريحات رئيس مجلس النواب. وكان رئيس المجلس الذي شكا من نمط العلاقة غير المرضية مع الحكومة التي يفترض أنها تمثل الأغلبية البرلمانية، لكنها ليست كذلك. ومن هنا، ذهب رئيس مجلس النواب إلى الاستنتاج أن تجربة الحكومات البرلمانية قد فشلت في هذه المرحلة، وأيد صراحة تخلي المجلس عن هذا الدور وإعادته حصريا لجلالة الملك، كما هو في الدستور.
أوساط عدة افترضت أن رئيس المجلس لم يطلق هذه التصريحات على عاتقه كرأي شخصي، وقرأت فيها توطئة لمشروع تغيير حكومي. والحقيقة أنني شخصيا قرأت فيها فقط تسهيلا لفكرة إزاحة الحكومة، لأننا إذا تابعنا العمل بمبدأ الحكومات البرلمانية، فإن هناك آلية صعبة للتغيير؛ إذ يجب أن يبدأ الأمر بمبادرة مجلس النواب بسحب الثقة من الحكومة، والتنسيب إلى جلالة الملك باسم رئيس وزراء بديل. وقد صدرت تصريحات نيابية تعتبر تصريحات رئيس مجلس النواب شخصية لا تمثل المجلس. وعلى كل حال، فالآن، مع تقديم الحكومة لمشروع قانون الانتخاب، ستنتقل الساحة السياسية إلى مربع جديد، يجعل مشروع التغيير الحكومي هامشيا وغير ذي صلة، أمام مشروع التغيير السياسي الاستراتيجي الذي يمثله قانون الانتخاب، بعد قانوني اللامركزية والبلديات.
طبعا، هناك احتمال أخير، وهو أن يرتبط التغيير الحكومي بانقلاب على مشروع قانون الانتخاب، كما حصل في الساعات الأخيرة في البرلمان الماضي؛ حين جاءت آخر حكومة في عمر ذاك البرلمان بمشروع محدد هو الانقلاب على مشروع القانون الذي قدمته الحكومة السابقة، والعودة إلى "الصوت الواحد"، كما حصل فعلا. لكن هذه المرة لا نتخيل أبدا أن يكون الأمر واردا؛ إذ يبدو أن تجاوز النظام الانتخابي السابق قد نضج نهائيا في دوائر القرار، وأن المشروع المطروح يحظى بتوافق بوصفه البديل الآمن والأفضل لمرحلة انتقالية قادمة، فضلا عن مشروعيته القوية بوصفه نتاج عمل لجنة الحوار الوطني التي تمثلت فيها جميع الأطياف.
رغم كل التكهنات، فإن تغيير الحكومة هذه الأيام لا يبدو أولوية أبدا، مقابل الأجندة الاستراتيجية التي يجب العمل عليها. فقوانين الأحزاب والانتخاب والبلديات واللامركزية، هي رزمة متكاملة ينبغي التفكير في كيفية تطبيقها، وجزء مهم هو الأنظمة التي ستصدر لهذه القوانين. ويكفي أن أشير إلى موضوع تقسيم الدوائر الانتخابية؛ إذ سيكون لدينا 3 مستويات انتخابية (البلديات، والمحافظات، والوطن) يجب أن تتكامل وفق رؤية إصلاحية شمولية. فتقسيم الدوائر والآلية الانتخابية يمكن أن يخلقا بلبلبلة وتضاربا، بل وفوضى، إذا لم يتم التفكير بهما بصورة شمولية وتكاملية للمستويات الثلاثة. وحتى الأجندة الزمنية للعمليات الانتخابية الثلاث تحتاج الى تفكير وتدبير وفق رؤية معينة، وليس اعتبارات جزئية تخص كل انتخابات على حدة