سبعة دنانير ونصف

في شهر أيار الماضي قررت دولة عربية ان ترفع الدعم الحكومي عن اسعار اللحوم، وقبل اتخاذها للقرار اعدت وزارة المالية فيها قائمة بالتعويضات التي سيحصل عليها المواطنون لقاء هذا القرار الذي قد يؤثر على موازنة الأسر ونوعية حياتها. يومها تقرر حصول الزوجة على ما يقارب سبعة دنانير والاطفال فوق الخامسة عشرة على دعم يعادل ستة دنانير في حين تقرر ان يحصل من هم دون الخامسة عشرة على اربعة دنانير شهريا.
بحسبة بسيطة تحصل أسرة مؤلفة من أربعة أبناء فوق الخامسة عشرة مع زوجة على ما يعادل 372 دينارا أردنيا لدعم فرق استهلاكها المقدر من اللحوم جراء رفع الدعم. وتقتضي الإشارة إلى أن أسعار اللحوم بعد رفع الدعم أقل من أسعار اللحوم البلدية على ساحتنا الوطنية.
في بلدنا، اللحوم بالنسبة للفقراء سلعة كمالية لا تتدخل الحكومة في تسعيرتها ولا تعنى بدعمها ولا تتحمل مسؤولية توفيرها أو غيابها.
للخراف الأوروبية التي قادها القدر لتذبح على أراضينا حقوق ينبغي احترامها قبل أن يجري تقطيعها وزجها في قدور الجميد الكركي لتتوسط وتزيّن أكوام الرز وتقدم لمئات المدعوين على وقع ألحان فرقة الرمثا وصوت متعب الصقار وهو يشدو "صب القرى يا اللي معلم على القرى" إلى آخر الأغنية.
خبر دعم اللحوم ذكرني بكشوف رواتب موظفينا والبند المتعلق بالعلاوات العائلية. ففي معظم مؤسساتنا المدنية والعسكرية يمنح المستخدم علاوة عائلية لزوجة وأربعة أطفال لا تتجاوز في حدها الأعلى عشرين دينارا شهريا وبواقع 7 دنانير ونصف للزوجة ودينارين لكل طفل على أن لا يتجاوز عددهم أربعة أطفال.
مجموع ما تخصصه الدولة للأسرة لمواجهة غلاء المعيشة لايتجاوز ثلث ما تخصصه الدولة الشقيقة للتعويض عن تعويم سعر اللحوم. الدنانير السبعة التي تخصص للزوجة في 2015 هي نفس الدنانير التي كانت قبل عشرات السنين يوم كان في البلدة شارع واحد وسيارة نقل واحدة، ويوم كان التعليم في المدارس الحكومية خاليا من الدروس الخصوصية ومعاهد التقوية، ويوم كانت المدرسة على اطراف الحي والابناء يتوارثون قطع الملابس التي يجري تكييفها او شراؤها مرة كل عام.
في كل مرة أستذكر المخصصات التي افردتها انظمتنا المالية للمستخدمين تحت بند العلاوات العائلية أشعر بالإهانة وقلة التقدير. فلا أحد يصدق أن المخطط المالي يرى أن ربع دينار سيكفي لسد الاحتياجات المعيشية اليومية للزوجة أو أن ستة قروش ستكفي احتياجات الشباب والصبايا والأطفال الذين تتجدد مطالبهم وتتنامى مع كل إشراقة صباح.
المواطن الأردني اليوم بين مطرقة الحاجة والجوع وسندانة الأجور الهزيلة المجحفة، تطالبه مؤسساتنا بالإبداع والالتزام دون توفير احتياجاته الاساسية والحفاظ على كرامته الإنسانية، وهو ضرب من الخيال اللامعقول.
تقديراتنا وأنظمتنا المالية المتحجرة وعمى الألوان الذي أصاب مخططينا وخبراء الإدارة والسلوك وأصحاب نظريات الدوافع والحوافز هو المسؤول الأول عن تردي الإدارة وتفشي أمراض البيروقراطية.
المعلم الذي يستكمل يومه بقيادة سيارة السرفيس والموظف الحكومي الذي يعمل مساء لدى إحدى شركات القطاع الخاص والثالث الذي افتتح زاوية لبيع الملابس الداخلية أو إصلاح الأدوات الكهربائية هم أشخاص دفعتهم الحاجة إلى التكيف مع نتائج نظام أجور أساء التقدير، فوضع الموظف في موقع يطالبه من خلاله بإنجاز دون أن يقدم له ما يكفيه حرج سؤال الناس.
الكثير من خبراء الإدارة لا يتذكرون أهمية الدوافع والحوافز وحقوق المستخدمين إلا عندما يطالبون بمياوماتهم وإجازاتهم وتسهيل قبول أبنائهم وإيفاد محاسيبهم وأقربائهم لحضور كل المؤتمرات والبعثات والدورات التي تقع ضمن حدود مسؤولياتهم.