فلسطين استودعتك الله
فلسطين
إستودعتِك الله
يقولون ان الدنيا في آخر عهدها وتعيش آخر أيّامها من كثرة ما يرى الناس من ظواهر يشعرون أنها من علامات الآخرة ولكنّ الساعة لا يعرف موعدها إلاّ من خلق الأرض وما عليها .
قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } صدق الله العظيم
وفلسطين ارض محببة لله وانزل فيها معظم رسله لهداية البشر بل وجعل فيها مركز الأرض وجعل مركزها القدس اقرب بقعة الى السموات العلى وحبّبها لجميع اتباع الديانات حتى باتت هي ارض السلام وارض الحروب في نفس الوقت .
لقد كنتِ با فلسطين وما زلت خير ارض مُهِّدت للبشر وكنت من اقدس مواقع الأرض كيف لا وقد جعل الله فيها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وجعل فيها تعميد الرسول عيسى ابن مريم وحقق النصر لجيوش مؤمنة لكي تهزم عتاة البشر الظالمين من على هذه الأرض .
وأمّا انت يا فلسطين فستبقين لتشهدي السلام فيك بين جميع المحبّين للخير والحب والسلام حيث ستدفنين البغض والكراهية ليرتحل مع الأشرار عن هذه الأرض وتبقى زغاريد الفلسطينيات تعرب عن فرحتهن بك عذراء تنتجين عسلا وزيتونا وتينا وتطعمين بني البشر قمحا من سنابل الخير والمياه السنسبيلا وتنجبين الأحرار الشرفاء.
قد يغيرون اسمك الى فلسطين الساحل وقد يغيِّرون ويحجِّمون مساحتك الى قطاع صغير وقد يقيِّدون حريتك بحيث تصبحين بلا حدود دولية او جيران عرب او مسلمين او مسيحيّين وقد يزيِّفون تاريخك وثقافة بنيك ومقدّساتك فقد يبنون جامعا في الأقصى البعيد وقد يقيمون قيامة لمسيحيّيك بعيد عن عمّاد يحنّا المعمدان في المغطس وقد يتعدّد حكّامك من ملتح سلفي الى مفرّع علماني الى صيّاد غزِّي الى غيرهم من طناجر لا تلصق عليك ابدا.
وقد يأتيك ايّام سوداء حالكة السواد مهما ضخّوا امزالا وحواريُّ حِسان على شواطئك الرملية ومهما عبئوا موانئك بالبضائع المتنوعة من مختلف دول العالم وقد يحدِّدون عمرك بمائة من السنين لكي يتم مسحك قبل العام الفين وعشرين وعندها سيتحدّثون مرة اخرى عن نهاية الكون خلال خمسة اعوام من رحيلك فانتظري وإنّنا دونك نكون من الميِّتين .
وقد يكون احفاد احفادنا قد نسوا اسم فلسطين كما نسوا اسماء اجدادهم الميتين وقد تنقلب الآية على اليهود المتصهينين وتأتي اجيال أقرب الى الله صحبة من عباد الله الصالحين ينبشون قلوبهم وتبقى على شفاههم خارطة فلسطين التاريخيّة من البحر الأبيض مكان رسو الفينيقيّين لنهر الأردن والبحر الميِّت مكان عمّاد السيد المسيح عليه السلام ومأوى قوم لوط عليه السلام وتظهر صخرة المصطفى التي صعد عليها محمد صلى الله عليه وسلم الى عظيم السموات وقابل هناك الأنبياء خير الآنام .
ولنا مع مقبل الأيّام موعدا لنرى ماذا يخبأ الزمان لمن ابتعدوا عن الله الرحمن الرحيم وعن قراءة القرآن الكريم وألْهتهم الدنيا بالمال والبنين والبنان وزينتها اللاهية .
وسيحاسبنا الله على ما اقترفناه في حقِّك يا فلسطين يا زهرة البلدان وجنّتها كما سيحاسب الله مسؤولينا ومشايخنا وعلماؤنا على ما أضاعوا من حقوق لله ولنا وعلى ما اقترفوا من قرارات لا تنسجم مع الشرع ومصلحة العباد كإلغاء فريضة الجهاد وإغلاق ابوابه وحدوده في وجه المقاومين الذين باعوا انفسهم واجسادهم في سبيل الله والأوطان .
لقد حجّم الأعداء فلسطين في قضيّة اللاجئين ومنحونا وكالة الغوث ترضية لأجل مسمّى تنتهي صلاحيّته العام القادم وسلبوا الأرض ومنحونا أوسلوا الذي انتهت صلاحيّته من أعوام وجعلوا سلطة وطنية كما اسموها يقع على عاتقها تصفية قضيّة الأرض وقلّصوا موضوع القدس الشريف في التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وها هم يقومون بتثبيت ذلك بقطعانهم وعسكرهم خطوة خطوة .
ونحن قلّصنا تفكيرنا ليتركّز في غريزتنا بحب المال والجنس والجاه واشياء أخرى أتفه من ذلك كالرياضة والفن والإثارة وغيرها حتّى بتنا نخاف انفسنا ودعاة التكفير وبتنا نحارب انفسنا عن قناعة وإصرار من اجل كرسي او هدف كورة اوبرنامج تلفزيوني او ميراث ميِّت او ارض بور أو غير ذلك من التوافه المتداولة في مجتمعاتنا المتخلِّفة .
إنّني أستودعتك الله يا قدسنا المباركة ونضعك بين يدي مولاك فهو الذي بيده حمايتك وحماية مقدّساتك من غطرسة ودنس العدو ومن جهلنا وغوغائيّتنا حتّى نستفيق ونستطيع استرداد كرامتك وهيبتك وقدسيّتُك .
احمد محمود سعيد
28/8/2015