الملك في الكرملين

منذ توليه الحكم العام 1999، زار الملك عبدالله الثاني موسكو 13 مرة. ومع كل زيارة، بما فيها الزيارة الحالية، كانت العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد تطورا ملحوظا في مجالات التعاون كافة. وبالنظر إلى اتفاقيات العمل القائمة والمقترحة بين الجانبين؛ في المجالات العسكرية والطاقة النووية والتبادلات التجارية، فإن الشراكة تكتسي طابعا استراتيجيا في المستقبل القريب، خاصة مع اقتراب البلدين من التوقيع على اتفاقية بناء أول محطة كهرونووية في الأردن، بشراكة روسية.
النسق المتصاعد في العلاقات الثنائية بين حكومتي البلدين، وبين الملك والرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، ساهم إلى حد كبير في تكوين مواقف مشتركة حيال قضايا المنطقة وأزماتها.
ورغم تأزم علاقات موسكو مع عدد غير قليل من الدول العربية الحليفة للأردن خلال السنوات الأخيرة، إلا أن عمان حافظت على صلاتها القوية مع القيادة الروسية. وبينما كانت علاقات الأردن مع الولايات المتحدة؛ الحليف الاستراتيجي للمملكة، تتعرض أحيانا لبعض الاضطرابات، لم تشهد العلاقة مع روسيا أزمة تذكر خلال سنوات حكم الملك عبدالله الثاني.
وفي وقت كانت فيه بعض الدول العربية الفاعلة تصر على تجاهل الدور الروسي في الأزمة السورية، والتقليل من أهميته، كان الملك، وبعد مرور عام واحد على تفجرالأزمة، يؤكد في كل محفل عربي ودولي على أن موسكو هي مفتاح الحل في سورية. وفي قمة جمعته قبل سنتين مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، صرح الملك أنه من دون تفاهم روسي أميركي، لا يمكن تصور حل سياسي قريب للأزمة السورية.
لكن العرب، وكعادتهم، وصلوا متأخرين، ولم يسلّموا بدور موسكو إلا بعد أن جرّبوا كل الخيارات عديمة الجدوى والمكلفة في سورية.
أول من أمس، كرر الملك موقفه عن الدور الروسي، وقال بصريح العبارة إنه دور محوري في حل الأزمة السورية. وبالنظر إلى التطورات الجارية، والجهود الدبلوماسية المبذولة لاحتواء الصراع السوري، تترسخ القناعة بأن دور موسكو يفوق في أهميته بكثير دور واشنطن في الملف السوري.
واشنطن وضعت نفسها منذ البداية في جانب واحد، وباتت أسيرة لمقاربة عبثية. بينما موسكو المنحازة علنا إلى جانب نظام بشار الأسد، نجحت في مد جسور العلاقة مع أطياف مهمة في المعارضة السورية، وصار بمقدورها العمل مع طرفي الأزمة.
الإدارة الأميركية، ومعها دول خليجية حليفة، سلّمت أخيرا بدور موسكو المحوري، وفتحت خطوط الاتصال على مصراعيها مع بوتين ولافروف، على أمل أن يأتي الفرج من موسكو بعد أن أغلقت نوافذ الحل الأخرى.
والمعارضة السورية التي تمنعت كثيرا قبل أن تطرق أبواب الكرملين، أدركت هي الأخرى أن الطريق إلى دمشق تبدأ من موسكو. نجوم المعارضة الذين ظلوا لسنوات يلازمون العواصم الغربية، يتوافدون اليوم أفرادا وجماعات على موسكو.
فيما تتلمس قيادات عربية طريقها للكرملين، وتقف أخرى على قائمة الانتظار للقاء بوتين، يزور الملك موسكو للمرة الثالثة عشرة.