وجوه مميزة غابت عن الساحة الأردنية
أخبار البلد - المحامي د. محمد أبو حسان
ان الحياة مدرسة مفتوحة تستقبل و تودع بلا حدود او قيود , وهي مدرسة تكثر فيها الامتحانات و تتعدد فيها النتائج , والانسان في هذه الحياة يحصد ما يبذره في مختلف الحقول , وتتشكل صورته النهائية في المجتمع بكلمة موجزة هي: رحم الله فلان فقد كان.. الخ
والانسان الناجح تبدو عليه بوادر النجاح في مرحلة مبكرة خلال مرحلة المدرسة و الجامعة.
وهذه وجوه أردنية ثلاثة: بدت عليها بوادر النجاح في فترة الدراسة الجامعية و تعود بي الذاكرة الى 1956م فبعدما انهيت دراسة علوم المختبرات الطبية في الجامعة الامريكية في بيروت في هذه السنة قررت الالتحاق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق فيها فوجدت بالمرحوم أحمد عباس الحياري الذي اراد الالتحاق بتلك الجامعة الرفيق الامين و الاخ الكريم الدمث الذي لا تمل رفقته في السفر والاقامة حيث سافرت الى دمشق برفقته للتسجيل في كلية الحقوق.
وحين وصلنا الى هناك اخذنا نفتش عن سكن لنا وقد قادتنا الصدف الى بيت اعد لسكن الطلبة تملكه سيدة دمشقية فاضلة , وحين دخلنا البيت سألتنا من اين انتم فأجبناها باننا اردنيون , فأجابت على الفور بأنها تحب الاردنيين و تفضل اسكان الطلبة الاردنيين على غيرهم في ذلك البيت ,حيث سألناها عن سبب حبها للاردنيين فأجابت بأن فكرتها عن الاردنيين قد تكونت من خلال سلوك ثلاثة طلبة اردنيين كانوا يسكنون منزلها حتى تخرجهم من الجامعة.
وقد اخذت بتعداد صفاتهم الطيبة واضافت حتى الجيران كانوا يحبونهم ايضا , وقد سألناها عن اسمائهم فأجابت هم سليمان الحديدي و محمد نزال العرموطي و لم تتذكر الطالب الثالث.
وحين عدت الى الاردن و بعد سنوات عديدة التقيت بالمحامي الاستاذ سليمان الحديدي الذي كان يومها نقيبا للمحامين , وذكرت له ما دار من حديث بيننا و بين السيدة الدمشقية ففرح كثيرا و عاد يحدثنا عن تلك الايام , وحين سألته عن اسم الطالب الثالث الذي شاركهما في السكن فقال هو السفير الدكتور احمد مناور العطيات.
ومرت الايام حيث التقيت بالاستاذ الكبير محمد نزال العرموطي الذي ترك بصمات واضحة في حقول عديدة , وحين ذكرت له القصة اياها اضاف لها بعض ذكرياته مع زميليه حيث اثنى عليهما.
أن هذه القصة الطريفة تبين ان بوادر النجاح في الحياة تظهر في مراحل مبكرة من حياة الانسان , وان سلوك هذه النخبة الطيبة و امثال هؤلاء الطلبة هو الذي رسم الصورة المشرقة للاردنيين في الخارج وسهل امور الطلبة الاردنيين الذين يأتون بعدهم.
وقد مرت هذه القصة بذاكرتي وأنا اعزي بالمرحوم محمد نزال العرموطي قبل ايام قليلة ,وقد سبق وعزيت منذ سنين بالمرحوم سليمان الحديدي و المرحوم احمد مناور العطيات, وقد وجدت من واجبي ومن حق هؤلاء الطيبين علي ان احيي ذكرهم بسرد تلك القصة علها تكون قدوة للاخرين.
وبين هذه و تلك وقبل انهاء كتابة هذه المقالة توفي صديق الدراسة في مدرسة السلط الثانوية الشيخ عقاب ابو رمان ( ابو صقر ) صاحب الهمة العالية و النخوة العربية الاصيلة , وقد زرت بيت العزاء فعزيت نفسي وعزيت اهله بمصابهم.
رحمهم الله جميعا وشملهم بعفوه ورضوانه وجزاهم الله خيرا عما قدموه للاردن و الاردنيين خلال مسيرة كل واحد منهم , وهي مسيرة مليئة بالخير والعطاء ساهمت في بناء الاردن الحديث ,ولن ينسى الاردن ابناءه الاوفياء رغم غيابهم , فهم احياء في ذاكرة الاردنيين تخلدهم اعمالهم و انجازاتهم.
وقديما قال الشاعر البدوي في هذا المعنى:
يا عيال لا بد ما نبدل الدار بديار والكل على جاره يعد الوصيفة
جار على جاره بختري ونوار وجار على جارة صفاة محيفة