طاهر العدوان يكتب:هل يوجد في الأردن معارضة؟
اخبار البلد-
إذا كان المقصود بالمعارضة، الأحزاب القائمة فالإجابة: لا ... فالأحزاب الحالية ، في معظمها ، لم تستطع ان تبلغ قوة نائب واحد في دائرة انتخابية مثل قوة النائب خليل عطية . واذا كان الامر كذلك فمن غير المنطقي ترك مقعد المعارضة لهذه الأحزاب .
على الأحزاب ، التي يطالب قادتها الاخوان المسلمين بتحديث خطابهم السياسي ان يبادروا هم اولا بتحديث خطاب احزابهم المنتمي الى عهد الحرب الباردة و شعارات الحزب القومي القائد . واذا كان الالحاح على الاخوان ( بتحديث خطابهم ومواقفهم ) اكثر اهمية فذلك لأنهم الحزب الأكبر ولأنهم يمسكون العصا من الوسط ، بين النهج الديموقراطي وبين موروث عقدي سياسي مغلق لحسن البنا وسيد قطب . والحقيقة كما أراها : ان على الاخوان تحديث خطابهم السياسي لكي يتحولوا الى حزب اردني بعقيدة اسلامية ، لا حزب سياسي ببرنامج ديني ، ليقتدوا بنظام الدولة التي منحتهم المشروعية في العمل السياسي ( ذلك ان عقيدة الدولة في الدستور هي الاسلام لكن دستورها مدني كذلك قوانينها و برامجها ) .
كما ان كثيرا من الأحزاب القومية واليسارية الاخرى لا يحق لها ان تطالب بالاصلاح السياسي وبالديمقراطية وهي على صورة : حزب العائلة الذي يتداول فيه ابناءها مناصبه القيادية بنظام الارث ، و مثله احزاب القائد الملهم الذي لا يتغير ، او الحزب الذي يتمول من دولة غير دولته ، و يناصر كل نظام دموي وديكتاتوري في العالم العربي وفي العالم باسم الماركسية والقومية و العداء للإمبريالية .
جميع الأحزاب القومية واليسارية التي تؤمن بقمع الشعوب خارج الحدود ، وتناصر الحاكم ابن ماء السماء ، او تلك الملتفة حول عمائم طهران وأحزابها تحت مزاعم المقاومة والممانعة ، مطلوب منها ان تحدث خطابها السياسي ونظامها الداخلي . ليس الاخوان المسلمين وحدهم من عليهم تحديث هذا الخطاب ، بل جميع هذه الأحزاب القومية واليسارية ... واذا كان يحق لهذه الأحزاب من باب حرية الرأي ان تؤيد من تشاء لانه ( ما حدا قاري ورق ) فانه لا يحق لها ان تكون جزءا من مشروع الاصلاح الوطني و السياسي الديموقراطي المنشود الذي يقوم على الحرية والتعددية والمشاركة ، فمن يؤيد الدكتاتورية عبر الحدود لا يُؤتمن على حريات الشعب الذي ينتمي اليه . وأعجب من قانون يسمح بشرعية تمويل احزاب يجلس على رأسها أمين عام بالوراثة او ( المناضل الفذ الى الابد ) . احزاب يكرس نظامها الداخلي نهجا غير ديموقراطي في الانتخابات الداخلية .
نعم توجد معارضة في الاردن لكنها ليست موجودة في حزب ولا لها برنامج واحد ، هي موجودة في المدن والمحافظات ، في الارياف والبادية وفي المنتديات والدواوين ، في المنازل والمكاتب والولائم الاجتماعية وبيوت الأجر . انها ظاهرة تعبر عن نفسها بالسخرية والرفض السياسي والمساهمة في نشر وتعميم الاّراء الشعبية المتداولة ضد الفساد والفشل والأخطاء ، كما تعبر عن نفسها بمشاعر مختلطة من الاستنكار و السخط والغضب الممزوج بالتساؤل والعجب . انها معارضة الأغلبية غير المؤطرة التي لا يتجاوز صوتها المساحات المكانية حيث يتواجد المواطنين الذين لا ينتمون لاي حزب . انها المعارضة المرعوبة من ان يؤدي تراكم الأخطاء وغياب الاصلاح والاستهتار بمطالب المواطن العادي الى فتح البلاد امام رياح العنف والتطرف المسمومة التي تهب على الشعوب العربية من كل حدب وصوب .
الم نتعلم بعد بان اخطر المعارضات هي الغير مسجلة في سجل الأحزاب المرخصة ولا التي يمثلها عين او نائب او مسؤول ، بل هي تلك التي في علم الغيب وفي باطن الشبكة الاجتماعية وتناقضاتها وتعارضاتها وأحوالها ووعيها . وكما في الصحة العامة فان سلامة الانظمة السياسية ينطبق عليها المثل القائل " درهم وقاية خير من قنطار علاج ".
المعارضة الحقيقة لا الصورية ، تستحق ان ينظر في مطالبها الاصلاحية وان تؤخذ رؤياها في كل شان من شؤون الوطن وذلك بتفعيل المواد الدستورية المتعلقة بالحقوق الاساسية للمواطن ، من خلال إصلاحات حقيقية تُعظم دور المؤسسات التي تصون حرية المواطنين في الاختيار الحر والمشاركة والمراقبة والمساءلة . اصلاح لا يقوم عل أفكار حفنة من المحافظين ولا على مثلهم من الليبراليين الجدد ، الذين تحركهم مصالحهم الخاصة ، ولكنه الاصلاح القائم على توافق وطني يصفي القلوب والأذهان ويبعد عن الاردن والاردنيين شرور التعصب ومصائب الفتن .