علم أردني صنع في الصين

عمدت العديد من الدول، حتى تلك الأكثر اندماجا بالعولمة الاقتصادية، إلى توفير حماية قانونية للصناعات الثقافية المحلية، والصناعات ذات القيمة الثقافية؛ سواء كانت قيمة رمزية تاريخية أو آثارية أو قيمة رمزية تتصل بالهوية الوطنية والتاريخ والتراث الاجتماعي والسياسي. والكثير منا يتذكر الإصرار الفرنسي أثناء مفاوضات اتفاقية منظمة التجارة العالمية على ما سمي آنذاك "الاستثناء الثقافي".
محليا، لم نوفق إلى هذا الوقت في سن تشريع لحماية الصناعات الثقافية الوطنية؛ فما نزال نستورد العلم الأردني من الصين، بينما تزدحم متاجر التذكارات (سوفينيرز) والهدايا بقطع النسيج والتطريز وعلب الخزف القادمة من أقصى العالم.
من المحزن أن نجد عشرات المنتجات المرتبطة برموز وطنية أردنية تصنع في الخارج؛ من أعلام وطنية وصناعات ترتبط بالتراث الشعبي وبمنظومة واسعة من الإهداءات التي يتبادلها الناس بينهم ومع ضيوفهم على أساس أنها ذات طابع ثقافي محلي، ومنتجات أخرى ترتبط برموز الدولة وتاريخها وتاريخ الأرض والطبيعة والناس، جميعها منتزعة من سياقها الإنتاجي المحلي. والمبرر الوحيد أن كلف إنتاجها في الخارج أرخص، في الوقت الذي توجد فيه مئات الجمعيات التعاونية وأخرى تطوعية، بادرت إلى إنشاء مشاريع إنتاجية في سلسلة طويلة من الصناعات ذات الملامح الثقافية، والكثير منها أغلق أو في طريقه إلى الإغلاق، وحلت محلها منتجات رديئة قادمة من الخارج تحمل ذات الملامح.
تتعرض الصناعات الثقافية المحلية وهي في مهدها لمنافسة غير عادلة، الأمر الذي عمل على مدى السنوات الماضية على الحد من نمو هذا القطاع التنموي المهم، الذي لا يحمل قيمة اقتصادية مضافة وحسب، بل وقيمة ثقافية وسياسية رمزية تعد أحد عناصر استكمال البناء الرمزي والمعنوي لأي مجتمع ودولة. ولعل في رفد هذا القطاع وتنميته وازدهاره حماية للهوية والثقافة المحلية، أكثر مئات المرات من الجدل السياسي الذي لا طائل منه. ما يعني أن المطلوب اليوم هو سن تشريع لحماية الصناعات الثقافية الوطنية، وإجراء تعديلات على قانون الجمارك يمنع دخول أي منتجات ذات سمة ثقافية محلية مصنعة في الخارج.
تشكل الصناعات الثقافية في العالم المعاصر أحد أهم الموارد الاقتصادية والمجتمعية الاستراتيجية ذات الحساسية العالية، المرتبطة بكل منتج يحمل قيمة ثقافية مباشرة أو غير مباشرة. وتحت هذا العنوان تندرج الصناعات اليدوية والحرفية المحلية، والصناعة التقليدية كافة، ورموز التقاليد التي تنقل الماضي أو تعيد تفسيره، وصولا إلى الصناعات الثقافية المبتكرة والأخرى المرتبطة بالتكنولوجيا والإعلام والسينما والكتاب. وفي مواجهة سياسات الإدماج والتنميط العالمي، قام الكثير من دول العالم بتطوير سياسات حمائية خاصة به.
على المستوى المحلي، لم تتوفر البيئة المحفزة لنمو صناعات ثقافية محلية في معظم القطاعات، فيما تعصف المنافسة الوافدة بالمنتجات الثقافية المتبقية ذات الصلة بالتقاليد المحلية، مثل الصناعات اليدوية وصناعات التذكارات، بينما كان من الممكن أن نوفر فرصة لقطاع تنموي كبير من الصناعات اليدوية وشبه اليدوية التي تثري المجتمع. ولعل هذه الفجوة تتلخص في الحيرة والمرارة حينما نسافر ونريد أن نأخذ معنا هدايا وتذكارات تحمل روح البلد ورموزها، فنجد أنفسنا ندور في دائرة مفرغة تبدأ وتنتهي بالبضائع الوافدة المقلدة التي لا روح فيها.