حـــوار مـــع ذوات فلســطـيـنـيـة
اخبار البلد- حمادة فراعنة
ثلاث مقالات نبهني لها الصديق فريح بومدين هزتني وذكرتني كانسان تسكن فلسطين داخله وتوجه أفعاله وتتحكم باهتماماته، أن ثمة واقعا يعيشه الانسان العربي الفلسطيني داخل وطنه، يواجه أقسى درجات المعاناة والوجع، الى جانب وعيه الذي يزيده تمزقاً، ورغبة في الفهم وافهام الاخرين بحقيقة أوضاعه المأساوية، ليس فقط بسبب الاحتلال ولا جدال أنه السبب الرئيس في معاناة شعبنا بتكويناته الثلاثة : 1- أبناء مناطق الاحتلال الاولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، حيث التمييز والعنصرية والاقصاء، ونضالهم من أجل المساواة، و2- أبناء مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع، حيث الاحتلال العسكري والتهويد والاسرلة والتمزيق للأرض وتوسيع الاستيطان، ونضالهم من أجل الحرية والاستقلال، و3- أبناء اللاجئين في المنافي والشتات، ونضالهم للحفاظ على هويتهم وتمسكهم بحق العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها وتشردوا عنها، الى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، وحق استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها، ولكن الانحسار والتراجع وفقدان المبادرة أتية من الذات، من الشقيق، من الفعل الفلسطيني نفسه .
ثلاث مقالات لشخصيات أو كتاب أو نشطاء، لم أحظ بمقابلتهم أو اللقاء معهم من المقيمين في قطاع غزة، وعلى الاغلب يتعاطفون مع حركة حماس، وبالتالي لديهم ميزتي الاقامة داخل الوطن والتعاطف مع تيار سياسي مركزي، أي أنهم ليسوا من خارج قطاع غزة وليسوا من خصوم حركة حماس، وهي ملاحظة لن تدفعني لقراءة ما كتبوه من وجهة نظر أحادية مناكفة، كي يصل البعض منا الى نتيجة مسبقة مفادها سوء حكم حركة حماس، وأن ما كتبوه من موقع المشاهدة والحضور يعبر عن عجزها في ادارة قطاع غزة، وفشلها في تقديمه نموذجاً للمستقبل الفلسطيني، من حيث الشراكة والتعددية واحترام الاخر، اضافة الى عدم توفر الكرامة ومستلزمات الحياة الضرورية، فهذه معطيات يفتقدها أهل القطاع، ولكن يمكن تبريرها بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، ولذلك لن أكون انتقائياً وأقرأ ما كتبه عماد الفالوجي ومصطفى اللداوي وغازي حمد يوم 16/8، على أنه وثيقة ادانة مسبقة لحركة حماس وحدها دون حركة فتح، وسقوط لسلطة حماس في غزة، دون سقوط مماثل لسلطة حركة فتح في رام الله .
ما أرغب الاستفادة منه وتعميمه بالاعتماد على مقالات الذوات الفلسطينية الثلاثة، وما أتمناه انما هو الارتقاء جميعاً الى مستوى تحمل المسؤولية الجماعية، كل من موقعه ووفق امكاناته، كي نصل الى صُلب المشكلة التي يعاني منها شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل، وخاصة في قطاع غزة، باعتباره نموذجاً للوجع، بسبب خيارات الذات وسوء الادارة الفلسطينية وتحكم اللون الواحد، والخصوصية هنا لكونهم مقيمون في قطاع غزة، ويملكون شجاعة التعبير عن أنفسهم وعن شعبهم، وخصوصية التجربة تدفع بي لأن أقول بوضوح لا أريد أن أقرأ ما كتبوه على أنه ادانة لحركة حماس، بل هي خصوصية التجربة، وأريد أن أفهمها وأتوقف عندها وأحترم وضوحهم وشجاعتهم فيها، لأنهم لو كانوا يقيمون في الضفة الفلسطينية لما ترددوا في أن يقولوا ما قالوه بحق الادارة الضعيفة والمجزوءة والمكبلة بالاحتلال بالضفة الفلسطينية، فالحال من بعضه، بين الضفة والقطاع، وان اختلفت التفاصيل ولكن المضمون واحد، وحصيلته فشل المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني من مواصلة طريقه وتحقيق خطواته التراكمية في دحر المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وهزيمته .
اذن سبب الاخفاق، لا يعود فقط بسبب قوة الاحتلال وتفوقه، بل بسبب ضعف العامل الذاتي الفلسطيني وتشتته بين الفصائل وتناحرها وغياب الاولويات لديها ولدى قياداتها، تلك هي المشكلة الاشد وقعاً وسوءاً وقسوة على النفس الفلسطينية، لدى الذوات الفلسطينية الثلاثة الذين كتبوا فعبروا وأجادوا في تشخيص المرض الذاتي للجسم الفلسطيني، ولذلك لا بد من معالجة مرض الحالة الداخلية الفلسطينية حتى تنهض من حالها واخفاقها كي تواصل طريقها في مواجهة العدو، الاحتلال، المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي .
وبداية لا بد من التوقف أمام ثلاثة مفاتيح مهمة ضرورية يحتاجها الفعل الفلسطيني ، كي تشكل عنواناً لتطلعاتهم البديلة، وتكون برنامجاً وهدفاً لكل الكتاب والمثقفين والنشطاء المسكونين بالوجع الفلسطيني ويدفعون ثمن استمراريته، وأرضية للحوار، بين مختلف الاتجاهات والفصائل والشخصيات، وهي :
أولاً : نحتاج لمؤسسة تمثيلية موحدة تضم الجميع في صفوفها ومؤسساتها، كي تكون بحق الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولذلك بدون مشاركة حماس والجهاد والتنوع والتعددية في صفوف منظمة التحرير، في مجلسها الوطني ومجلسها المركزي وفي لجنتها التنفيذية ستبقى منظمة التحرير مؤسسة تعاني من الشرخ وضعف التمثيل، وهذه ضرورة نطالب بها، ونحن على أبواب انعقاد دورة استثنائية للمجلس الوطني الفلسطيني، سيصار لتغيير بعض قياداتها وفق رغبة الرئيس محمود عباس، وان كانت لا تزال موضع نقاش وحوار داخلي نظراً لتعارض بعض عناوينها مع النظام الداخلي للمجلس الوطني، وتجاوزاً للتقاليد التراكمية لمعالجة هذه الاوضاع وتحدياتها .
ثانياً : أن نصل لبرنامج سياسي موحد، تشارك في صياغته مختلف الفصائل والشخصيات والتجمعات، ليكون برنامجاً سياسياً موحداً ومعبراً تلتزم به منظمة التحرير وفصائلها، وبدون هذا البرنامج الوطني السياسي الموحد، ستبقى خطوات وسياسات الفصائل وطرفي الخلاف الفلسطيني مرتبكة وارتجالية وفاقدة للوضوح أمام المجتمع الفلسطيني وأمام المجتمع الاسرائيلي وأمام المجتمع الدولي .
ثالثاً : الاتفاق على الادوات الكفاحية المناسبة، وعدم خرق الاتفاق عليها، وعدم تفرد أحد بنقضها أو تجاوزها أو استعمال أدوات كفاحية غير متفق عليها، والادوات هي : 1- الكفاح المسلح، 2- الانتفاضة الشعبية، 3- المفاوضات، وهي وسائل يمكن استعمالها جميعها أو استعمال بعضها، وتوظيفها للوصول الى الهدف الذي يحدده البرنامج السياسي المشترك، والفصائل مجتمعة تحدد الادوات المطلوبة وفق الظروف المتاحة، وألا ينفرد أحد بإحدى الادوات غير المتفق عليها .
تلك هي عناوين للنقاش والحوار والاستفادة، ونعيش كي نتعلم ونؤدي واجبنا بما نملك من قدرة خدمة لمسيرة شعبنا بمكوناته الثلاثة أبناء 48، وأبناء 67، وأبناء اللاجئين ونضالهم التعددي الذي يصب في مجرى واحد بهدف انتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ودحر المشروع الاستعماري الاسرائيلي وهزيمته .
h.faraneh@yahoo.com