تسويات إقليمية وهمية !

تحول المشهد الاقليمي الى ما يشبه السيرك يشتعل فيه الصراع بين مروضين ضعفاء غير قادرين على الحسم العسكري ، وبين مجموعات متوحشة دموية عالقة في التاريخ غارقة في الماضي ، شربت حليب الطغاة ، يصعب ترويضها او استيعابها او قهرها ، اوالتفاهم معها بالحوار والعقل والتفاوض ، حتى انها تتمرد على اسيادها من الداعمين لها ماليا وعسكريا ، بعدما اشتد عودها.

هذه المجموعات نبتت ونمت وكبرت وترعرعت في ظل نظام دولي ظالم جشع ، يقوده قطب واحد ، خلق الحروب والازمات والجوع والفقر ، وفرض حالة من الاختلاف في فهم العدالة والسلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لذلك ساد العالم حالة من التفاؤل بولادة القطب الآخر ، وهو ضروري للتوازن الدولي والسلم العالمي. ولكن حتى الان ، ما زلنا نعاني من هيمنة القطب الواحد على قرارات الشرعية الدولية. وقد يتمثل هذا الواقع بوضوح واكثر في بيان مجلس الامن حول سوريا.
بيان الامم المتحدة حول سوريا ينص على :» تشكيل هيئة حاكمة انتقالية جامعة على قاعدة التوافق المشترك ، لديها الصلاحيات التنفيذية مع ضمان استمرار المؤسسات الحكومية «. وهذا البيان ينجاهل ان تقرير المصير في سوريا هو من حق الشعب السوري وحده. وهذا القرار غير الملزم (البيان الاممي) الذي ادرجته الشرعية الدولية تحت بند الحل السياسي ، او بوابة مرحلة التسويات ، بعد التوافق الدولي حول الملف النووي الايراني ، تجاوز الواقع العسكري والامني على الارض.
الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها هي ان المعارضة السورية التي تتحدث عنها الشرعية الدولية غير موجودة في ساحة القتال ، وليس لها اي ثقل عسكري حقيقي يسند دورها السياسي. الفصائل التي تدير القتال وتسيطر على مساحات في الريف السوري ، ولها حاضنة ديموغرافية هي الفصائل المتشددة المدرجة تحت عنوان ( تنظيمات ارهابية ) ، لذلك يستغرب البعض التوصيف الغربي للواقع في ساحة الصراع السوري الداخلي ، ويتساءل الكثيرون بدهشة ، حول كيفية التمييز بين المعارض الذي تدعمه طائرات التحالف ، وبين الارهابي الذي تسعى لمطاردته وقصفه من الجو ، حسب التصريحات والبلاغات والرغبات الاميركية.
وفي الجانب الآخر من المشهد نرى ان تركيا ، المأزومة ، حاولت ولا تزال ، لعب دور رئيس في فرض الحلول بشأن مستقبل سوريا ، وهي ايضا ترى الحقيقة بعين واحدة ، او انها اصابها الحول ، فهي تراهن على «الائتلاف الوطني» القابع في اسطنول ، وهي مراهنة على حصان خاسر وضعيف مسلوب القوة والارادة. واعتقد ان النار قد وصلت الى الاصابع التركية على الصعيد الامني ايضا ، اضافة الى الازمة السياسية العاصفة التي لا احد يعرف ، حتى اردوعان ، كيف ومتى واين ستنتهي ، خصوصا ان تنظيم داعش قد اعلن دخوله الى الجبهة التركية في معادلة غير مفهومة ولا واضحة المعالم.
في النهاية نستطيع القول ، بل التأكيد ، بأن الجميع اعتقد ، او تفاءل ، بأن يتم فتح الابواب امام مرحلة التسويات الاقليمية بعد الاتفاق النووي مع ايران ، ولكن من الواضح ان الاطراف التي حاولت توظيف الحرب الاهلية السورية لصالحها ومصالحها ، ما زالت تتجاهل الحقائق ، وتسعى الى مكاسب وغنائم ، عبر الحلول السياسية ، ولكن ليس بالضرورة ان تجري الرياح بما تشتهي سفن الطامعين ، رغم وجودنا في مرحلة عربية تاهت فيها بوصلة الامة ، واختلفت فيها اللغات وتعددت الاهداف ، واختلطت الاوراق.