التفاف من الحلفاء وعزلة لـ «إخوان» الأردن

غيرت حركة حماس بوصلتها السياسية لمرات عدة في السنوات الأخيرة، وبعد أن كان خالد مشعل يعترف لايران بالدور الكبير في التسليح والتمويل للحركة في غزة، وبعد أن كان يرتل مدائحه للإمام الخميني والثورة الإسلامية في ايران، أصبحت مسألة زيارته لطهران محلاً للجدل والأخبار المتناقضة، وكان واضحاً أن توجه مشعل للرياض يعبر عن يأسه من طهران بعد سنوات من توقف المساعدات المالية للحركة، ولكن الزيارة عبرت أكثر عن تغير في سياسة السعودية تجاه الوضع القائم في المنطقة ككل، ويمكن الحديث عن إعادة تمركز في جميع الجبهات وتسويات متسارعة يبدو أنها بدأت في اليمن مع التحول الجذري في الواقع الميداني باليمن لمصلحة المقاومة الشعبية في مواجهة الحوثيين.

بعد فترة وجيزة من زيارة الرياض بدأت تركيا تتحدث عن اتفاق تهدئة شامل بين حماس واسرائيل، وبطبيعة الحال، سيشتمل ذلك على رفع الحصار عن قطاع غزة، ولأن هذه مسألة لا تكتمل بغير التدخل المصري فإن وفداً من الحركة سيتوجه إلى القاهرة للقاء مدير المخابرات المصرية وربما تتحول حماس من وضعية (الشيطنة) التي لصقت بها بعد حكم الإخوان في مصر إلى منزلة (الحليف) أمام التحديات الأمنية في سيناء.
يبدو الإخوان المسلمين في الأردن غير قادرين على متابعة الأوضاع الإقليمية، واليوم يشهدون مجموعة من التسويات والتحركات التي تفوق قدرتهم على الفعل السياسي البناء، وهذه المرحلة تكاد توصف بالحصاد المر لمجموعة من القرارات السياسية التي أخذت تتعمق منذ 2007 وحتى اليوم، وبالطبع وصلت إلى ذروتها مع مشروع الخليفة (محمد مرسي)، ووصلت الأمور ببعض أعضاء إلى التطاول على الدولة الأردنية التي عايشت حصتها من مأزق الربيع العربي في ظروف صعبة ومعقدة، وكانت تتلقى من الضغوط الخارجية ما يكفيها مؤملة أن يكون تماسك الجبهة الداخلية سنداً لها في مواجهة هذه التحديات الكبرى، وبالفعل شهدت الساحة الداخلية على مختلف مستوياتها مرحلة من الأداء المشهود الذي قدم الأردن بوصفه نموذجاً في منطقة مضطربة، باستثناء الإخوان الذي استمروا في المناكفة والمماحكة.
لا يعني ذلك أن الأبواب مغلقة كلية أمام الإخوان، ولكن يجب في البداية الاعتراف بأخطاء المرحلة الفائتة، والاحتكام إلى آليات فرز عقلانية وبناء أسس جديدة للعلاقة، فالإخوان شريك في الحياة السياسية في الأردن، وتقع عليهم مسؤوليات وواجبات ولهم في المقابل حقوق ومكتسبات، ومشكلة الدولة ومعظم الأردنيين مع التنظيم أنه لم يتمكن داخلياً من تحكيم العقل وترجيح المصلحة الوطنية وبقيت ثلة من قياداته تسيطر عليه لدرجة دفعت بالانقسام في الجماعة بصورة غير مسبوقة، ألحقته عملية تسجيل جماعة جديدة في عملية انقاذية.
يجب على الإخوان مراجعة أوراقهم من جديد والبحث في خياراتهم، والأهم من ذلك تحديد استراتيجية بعيدة المدى يمكن عرضها على جميع الأطراف التي تسعى لعدم تمدد الأزمة، فمراجعة تجربة الإسلام السياسي أصبحت ضرورية، ويبدو أن حتى الحركات التي استفادت تاريخياً من تصنيفها ضمن الإسلام السياسي أصبحت تبحث عن حلول جديدة وتحالفات نوعية مختلفة، والإخوان في الأردن كانوا في علاقة ايجابية مع الدولة في الوقت الذي كانت جميع التيارات الأخرى في الدول العربية تعاني من صدامات مع السلطة، واليوم تنقلب الآية، والكل يبحث عن مخرج أو طريق للتواصل، ويستمر الإخوان في الأردن في قطيعتهم، فهل تحين لحظة الاستفاقة أم أن قيادة الإخوان الحالية ستواصل رحلة المكابرة والعناد.