الدكتور فايز أبو حميدان يكتب :قبل اعتقال الطبيب !!!


أخبار البلد-  

قال شكسبير:السمعة أكثر الخدع زيفا وبطلانا..فهي كثيرا ما تكتسب دون وجه حق...وتفقد دون وجه حق

أحيانا وبعد إجراءالعمليات الجراحية تتــــراود عدة أفكار لدى البعض من الناس بوجود أخطاء طبية ، أو التفكير بعدم النجاح في اختيار طرق العلاج من قبل الفريق المعالج سواء كانواأطباء أوفنيين أومستشفيات، وعلى الرغم بأن الحديث حول هذا الموضوع يتسمبالحساسية العاليـــة، إلا أنني أود التطرق لبعض الأمور الهامة،وخاصة أن قانون المسائلة الطبية والمتفق عليه لم يتم العمل به وتطبيقه بعد.

فهذا القانون له إيجابيات متعددة في حماية حقوق المريض وحقوق الطبيب والمؤسسات الصحية، والخوض بها يحتاج إلى طرح صفحات كثيرة قبل بدء النقاش في الأخطاء الطبية.

فعند الحديث عن الأخطاء الطبية يجب علينا أولاً مراعاة تعريف الخطأ الطبي بشكل علمي وليس افتراضي.ففي أغلب الأحيانيأتي التعريف من قبل المريض أو ذويه أو من قبل أشخاص لا دراية لهم في مجال التخصص المعني،ولا يوجد لديهم دلائل وإثباتات علمية على وقوع الخطأ، فالخطأ الطبي هو فشل خطة طبية أو ممارسة عمل طبي أو خدماتي طبي بشكل يؤدي إلى عدم الوصول إلى الهدف المرجو وإلى إلحاق الضرر بالمريض، وهناك أنواع متعددة من الأخطاء الطبية لها علاقة بأمور تنظيمية أو توضيحية أو إجرائية أو خدماتية، وعادةً تكون الأخطاء الطبية غير مقصودة ونادراً ما تكون مقصودة، لذا يدرج الخطأ المقصود قانونيـاً تحت بند الأخطاء الجزائية ويختلف عن الأخطاء غير المقصودة .

وغالباً يتم إدانة الطبيب بشكل غير موضوعيوجاهل دون الاستناد إلى دليل علمي، فتحديد الخطأ الطبي يتم من خلال لجــان مختصة وحيادية، تنشئها وزارة الصحة والمحاكم والمؤسسات النقابية، بحيث يتم دراسة ملفات المريض، ومناقشة حالته وطرق علاجه، ويتم استدعاء الفريق المعالج واستجوابه، ومن ثم يتم اتخاذ القرار النهائي بثبوت الخطأ أو عدم وجوده.

ومن الأخطاء الشائعة في بلادنا مسألة الخلط بين الخطأ الطبي والمضاعفات المرضية الناتجة عن الحالة المرضية، وهذا يعود إلى أن المريض وذويه يصدرون الحكم على الأمور من ناحية عاطفية ومن جانب واحد، بالإضافة إلى اهمال الكثير من الأطباء مسألةتدوين موافقة المريض على العملية الجراحية أو الاجراء الطبي، وعدم إعطاءه معلومات حول حالته الصحية كالتشخيص والعلاج والمضاعفات والمشاكل التي قد تحدث وإمكانية شفائه، فالكثير من الأطباء لا يجدون متسع من الوقت لهذا الأمر رغم أهميته الكبرى، فالطبيعي هو إشراك المريض وذويه في اتخاذ القرار، والحصول على توقيعه او توقيع ذويه قبل البدء في الإجراء الطبي، والذي يعتبر اتفاقية خطية ومشاركة علاجية مسبقة ومهمة جداً لتجنب الخلافات لاحقاً، ولتوطيد الشفافية والمصداقية، حيث أن اهمال بعض الأطباءفي هذا المجال له نتائج وخيمة، بل أن بعضهم يدّعي بأن ثقة المريض به عالية وبالتالي لا ضرورة لذلك .

أما فيما يخص المريض،فعليه تدوينجميع الإجراءات الطبية التي تحدث معه، و عليه سماع آراء مختلفة قبل إجراء العلاج وليس بعده، وقراءة المعلومات المكتوبة عن حالته بشكل دقيق، وتدوين الأسئلة التي يجب أن يطرحها على طبيبه،ومعرفة الإجابة الصحيحة، وتوخي الحذر والدقة في سماع الإجابة حتى لو تطلب الأمر الطلب من الطبيب شرح الإجراءات مرة أخرى، وهذا يتطلب أيضاً التــزام المريض بتعليمات الطبيب المعالج حرفياً.

وقبل البدء في اتخاذ قرار ضد أي طبيب، على المريض العودة إلى أطباء آخرين وسماع آرائهم بعد اطلاعهم على الملف كاملاً وعدم الاكتفاء برأي واحد.

ومن الممارسات الخاطئةاحياناً القيامبإعتقال الأطباء ومنعهم من ممارسة المهنة، بدعوى الحفاظ على حياتهم بمجرد وفاة مريض أو توقع وجود خطأ ما، فهذا تصرف خاطئ يدين الطبيب قبل التأكد من وجود خطأ طبي . إنقوانين الوحدة الأوروبيةتفرض على المريض وذويه توفير الأدلة العلمية لإدانة الطبيب، أما في بلادنا يحدث العكس، فعلى الطبيب إثبات بأنه لم يقع في الخطأ .وهذا يعد ظلم للطبيب.

وفي هذه الحالاتيتوجب علينا السعي لتعديل القوانينبما يتناسب مع الظروف المنطقية، كما وعلينا التسريع في تطبيق قانون المسائلة الطبية، والمساهمة الفاعلة في تثقيف الناس،وزيادة الوعي لديهم بأن المضاعفات المرضية ليست أخطاء طبية،و عليهم أن يتعلموا البحث والتدقيــق قبل إدانة الآخرين، وعدم إقحــام الصحافة الابتزازية في الموضوع لأن الأطباء سيطالبون بتعويضات مالية في حال النشر بوجود خطأ طبي لم يحدث، وذلك لانه يمس سمعتهم الطبيةالتي تفقد دون وجه حق.