الاستثمار في الإنسان

اعجبتني عبارة تكررها حكوماتنا منذ كنت في العشرين من عمري, كنت ولا زلت اسمع عبارة - الاستثمار في الانسان استثمار في المستقبل -, وكانت تردد في اطار الحديث عن التعليم و الاستثمار في الانسان عن طريق التعليم,إن كافة النظريات المتعلقة بالتنمية تؤكد على أن التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية لا يمكن تحقيقها دون أن يصحبها مستوى تعليمي قادر على الاستثمار في الإنسان تعليمياً مما يؤدي الى بناء اقتصاد قوي أساسه الانسان حيث ان العائد من الاستثمار في التعليم ليس هو العائد المادي فحسب بل هناك عوائد أخرى متمثلة في الارتقاء بالفكر والمعرفة، وقبول الآخر، والقدرة على الحوار، أثبتت النظريات أن العائد المادي من الاستثمار في مجال التعليم يفوق الاستثمار في المجالات الاقتصادية بثلاثة أضعاف، على سبيل المثال سنغافورة لا تمتلك أياً من عناصر القوة سوى الإنسان، حيث بلغ ناتجها القومي العام الماضي 314 مليار دولار لتحتل المرتبة الثامنة والثلاثين على مستوى العالم متجاوزة معظم الدول العربية، وقفز دخل الفرد فيها من أربع مئة دولار في السنة في بداية ستينات القرن الماضي إلى خمسه وخمسونألف دولار في الوقت الحاضر.

أن مقياس تقدم الدول هو فيما تقدمه لشعبها أولاً، و الدول المتقدمه تتبنى مبدأ الاستثمار في الإنسان مما يعني وضع خطط وأهداف بعيدة المدى مكنتها من امتلاك أفضل الكفاءات الانسانيه, وهو ما مكنها من الاحتفاظ بالانسان وضمان ولائه وحسن أدائه، أصبح عالمنا اليوم لا يعترف إلا بالدولة القوية، لا من حيث القوة العسكرية فحسب، وإنما من حيث قوتها الاقتصادية، لان القوة الاقتصادية أصبحت ضرورةً لكي تحمي بها قرارها، فالدولة التي تعتمد في مأكلها، وصناعتها، وتجارتها على الغير تفقد الكثير من عناصر التحكم في قراراتها، وتكون قرارتها قائمه على أساس المشاركة لا التبعية،فالدولة الحرة اقتصاديا لا تكون عالةً على غيرها.

أن أشد ما عانت منه الشعوب العربيه هو قتل الطموح و عدمالاستثمار في الإنسان العربي حتى تعطلت أدمغتهم عن التفكير ولهذا نحن في حالة رجوع الى الوراء في كافه المنتجات البشريه وهو عائد الى طريقه التعليم الحالي والماضي، الاستثمار في الانسان هو أفضل أنواع الاستثمار لبناء مجتمع صالح قوي اجتماعيا واقتصاديا، ولهذا يجب إعطاء الأولوية للاهتمام بالاستثمار في الإنسان بالتحديد بالجيل الناشئ ومنحه فرصه التعليم الحديث المتطور من مستلزمات التكوين العلمي حتى يكون قادرا على الابتكار والتجديد والتفكير بشكل مستمر باحتياجات مجتمعه من عناصر التطور الاقتصادي والاجتماعي ليكون أداة للنهوض بقتصاد وطنه عبر تعظيم مواردها وإن كانت شحيحة، وإلا فما هي الموارد الطبيعية التي تتفرد بها اليابان غير الإنسان الذي جعل منها هذه المعجزة الاقتصادية.

إسرائيل تُسجل في كل عام أكثر من 300براءة اختراع عالمية بمقابل ذلك لا يسجل العرب إلا إطلاق الشعارات و ليس هناك أي رؤية علمية لما نريد أن يكون عليه اقتصادنا في المستقبل لنبني عليها خططا عملية تفضي الى النتيجة التي نريد وبالتالي تحديد ملامح مخرجات التعليم ولا توجد خطط عملية لتجسير النظريات مع الواقع وتنفيذها وفق برنامج مدروس،فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد، والإبداع، والاختراع، والابتكار، والتطوير، يمكنه أن يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية، وألا يجعلها عائقاً نحو النمو والتقدم، عن طريق الاستغلال الأفضل لطاقات المجتمع العلمية والإنتاجية، الاستثمار في الإنسان يجب أن يكون رأسمالنا، من خلال ضرورة إعادة النظر في أساليب وطرق تربية الجيل الناشئ وتوجيههم الوجهة الصحيحة من خلال تنمية مهارات وقدرات وأسلوب المعلم التعليميه،الى متى يمكن ان نبقى معزولين عن التقدم الذي يشهده العالم، الى متى سنظل خارج هذه الثورة التكنولوجية؟ اصبح مطلوباً اكثر من اي وقت مراجعه طريقه الاستثمار في الإنسان لمواجهة التخلف بدل الاكتفاء بالتغني بالماضي و الترحم على الماضي والبكاء على الاطلال،اذا احسنا الاستثمار في الانسان من الآن وقبل فوات الاوان لابد من ثورة تكنولوجية تعليميه حقيقيه، ولايمكن لهذه البداية الا ان تكون بالانسان.