تلفــزيــون الخــدمـــة العــامـــة!!!

عمر كلاب 

لم تبتعد المسافة الزمنية طويلا عن مشهد الصراع والتحالف داخل التكوينات السياسية وحلقات القرار، فما زال المواطن يدفع ثمن هذه الاستقطابات وما زال الوطن يكتوي بنيرانها واورثت المشهد السياسي حالة من عدم الإستقرار ومن النكايات مايحتاج اوقاتا طويلة لتجاوزه.

حالة الاستقطاب والشد العكسي بقيت داخل الملعب السياسي وصالوناته، ولم تجد لها تفاعلات شعبية بمعنى انحياز شعبي لفريق او شخصية سياسية على خصومها، لعدم وجود حلقة تواصل وتوصيل باستثناء النميمة السياسية، وما يرشح داخل الولائم من كلمات وتصريحات , فمعظم الأخبار منقولة بتصرف عن الجلسات الخاصة بعد ان تحولت المزرعة في الحالة السياسية الاردنية الى نمط " العزبة” المصرية، وتحول " الأفندية” إلى وزراء وأعيان ونواب حاليين وسابقين.

تلفزيون الخدمة العامة الذي يتم التبشير به هذه الايام كان حلقة التوصيل والتواصل المفقودة عند الأفندية الجدد، ولذلك سعوا طويلا لإنتاجه على أرض الواقع بوصفة حاصل الصراع النخبوي، ولأن " الأفندية” كرماء بالعادة من المال العام، جاءت فكرة التلفزيون على حساب دافعي الضرائب، لتصبح

هذه الشاشة تعبير ثقافي أو تثقيف رسمي لحالة التجاذب والصراع وتعود الى الواجهة صراعات ونكايات بين حكومة الرأسين التي تجلس رأسا لها في الدوار الرابع والرأس الثاني في الديوان الملكي وجميعنا يذكر سنوات الصراع وتداعياته.

فالتلفزيون الطازج يجري الإعداد له كمشروع بديل أو نقيض للتلفزيون الإردني الممول من دافعي الضرائب ايضا، والذي نجتهد في تثبيت صورته كتلفزيون دولة وليس تلفزيون حكومة.

وبالتالي سيصبح الصراع مفتوحا بين شاشتين إحداهما تعمل وفق تنسيب الحكومة لإدارتها والثانية تعمل بإدارة حاصلة على ثقة ملكية سامية، وكاننا نقول إن هذه شاشة الديوان وهذه شاشة الحكومة ولا أظن أحداً بحاجة الى تخليق صراع جديد ومقاربة جديدة في هذا الظرف وأي ظرف آخر، الإ جماعة بعينها سعت وتسعى إلى تشويش رسالة الدولة وخلق مسافة في الوعي الوطني وزرع إسفين بين مكونات الدولة عبر إعادة طرح مصطلح الولاية العامة وتفرعاته.

مجموعة "الفرن” الإعلامية هي من بدأت في المييز بين الاعلام بداية بالإستقلالية والتبعية ثم قادت مشروع القسمة السياسي بين مكونات الدولة وتكويناتها وهي الآن تبشّر بتلفزيون الخدمة العامة بعد عدم نجاح تجربتها الاولى في الصحافة الورقية , واولى هذه الحلقات التشويش على عقل المتلقي بين مايراه على شاشة الحكومة وشاشة الديوان.

تلفزيون الخدمة العامة ليس أول محاولة للتشويش فقد سبقته محاولات فضائية متعددة تعثرت كلها لاسباب متعددة منها النكائي ومنها الوطني ولا أظن الديوان بحاجة الى شاشة فكل الشاشات مفتوحة له ولاخباره وكذلك باقي وسائل الإعلام.

واذا كان هناك إختلال في أداء الشاشة الإردنية الرسمية فإن تصويب الإختلال لا يكون بإنتاج بديل او نقيض , بل بتصويب الخلل والإختلال، ناهيك عن أن المواطن لا يحتمل ضريبة جديد على فواتيرة، والتلفزيون لا يحتمل قسمة ديناره الى قسمين.

عقلية الإدارة في الاردن مازالت موجوعة من ظهور وتوالد المؤسسات الموازية للوزارات ولم تنجح كل محاولات تشذيبها , ولا نحتاج إلى مؤسسة موازية أخرى، فنحن مازلنا نحاول التخلص من أثار العقلية التي انتجت الهيئات والمؤسسات الموازية للوزارات إلا اذا كان هناك رغبة في إنهاء التلفزيون الأردني ونقلة الى تلفزيون الخدمة العامة وتلك قصة أخرى.