وداعا «أبوشهم»

قد تمر بك بعض الوجوه التي تصادفها في الحياة مرور الكرام، ولا تكاد تذكرها الا إذا ذكرها بعض الناس لك وقدم لها ببعض الذكريات او المواقف المشتركة في السراء او الضراء، بينما هناك بعض الوجوه الاخرى التي لايمكن ان تغفل عنها ذاكرتك مهما باعدت بينك وبينها الايام، وفي الحالتين يدخل الحب وعكسه في علاقاتك مع هذه الوجوه.

ولست ابالغ إذا ما قلت وبكل صدق وصراحة، في الحياة والموت، وفي السؤال يوم الموقف العظيم، أن الصديق المرحوم، الاعلامي الاردني والعربي البارز ابو شهم (نايف حمالس المعاني) كان واحدا من هذه الوجوه التي لم تغادر شاشة مرآتي وذاكرتي، بل كل ما سمعت صوت مذيع في اي اذاعة الا وقارنته بصوت نايف، ولم اسمع نكتة او همسة او قهقهة مدوية الا ظننتها ضحكته او قارنت بينهما، وما التقيت به في اي مناسبة على كثرتها وتنوعها الا والتقينا با لاحضان لفترة طويلة وتبادلنا النكت او العبارات الراقية.
ماكان نايف ثقيل الدم يوما، وماكان مذيعا خاصا برجوازيا، بل كان مثل الحصاد الشاطر، يلقط رزقه بالحلال وبعرق جبينه، وبصدق ولائة واخلاص نيته، وكان يؤمن بان الاردن يستحق منا أفضل مما عندنا حتى لو لم يعطنا افضل ماعنده، وكان يقول لي» ابن العم، يكفيني حب الناس واحترامهم، يكفيني انني ادخل بيوت الاردنيين بكل شرف وادب واحترام، وإن أكلة( مجللة) عند مواطن اردني بسيط احسن مليون مرة من افخم الفنادق.
تذكرت نايف ايام كنا تلامذة في الصفوف الاولى اعلاميا، وكيف تعاملنا مع الكبار في الصحافة والادب والفكر، وكيف كان يغطي بعض الاخبار، وكيف كان يختار المهام الصعبة التي كان غيره يرفضها لانها غير مجدية ماديا، لقد كان شابا صعبا بحياة صعبة، ولعلها سمة ابناء ذلك الجيل الذي زاحم الكبار لكي يستظل في واحة الصحافة لو بعض الوقت، نعم !! لقد زاحمنا، وكنا تارة نتقدم وتارات نتقهقرلشدة الزحام والتدافع ومع ذلك لم نشكو ولم نيأس، ولم نلجأ لوساطات رغم ان اقاربنا كانوا في مناصب مرموقة، لقد احببنا ملاطمة الرجال واخذ حقنا من افواههم.
نايف حمالس لم تكن الا مثالا يحتذى، في الصحافة، والادب، والكفاح، واهم من كل ذلك بالاخلاق وحب الناس، والتفاني في خدمتهم، ومن حقهم ان يذرفوا دمعة حزن لفراقك، ومن حقك ان نقف ولو دقيقة احتراما لمرورك على بال كل واحد منا.فنم قرير العين..ولمثلك الحق في النوم بعد رحلة عطاء سيدونها كتاب التاريخ، وربما تصبح حكايات يرويها الناس من جيل الى جيل.