احداثيات ايران
ايران ذات السنوات العجاف بداعي النحافة المخططة لها تستمتع الان بأعوامها الخضراء وهي من تحتل بالهواء الاوسطي مساحات دينية وسياسية وعسكرية معتبرة , لو كان لنا ان نتحدث عنها كعرب لأخذنا منها المثال السياسي المحترف والقدوة العلمية الذكية والتمكن الثقافي المذهل ليس بسبب الاتفاق النووي الاخير مع العالم الاول ولكن للصبر والحكمة والتخطيط الدقيق والادارة السياسية المرنة طوال تلك الاعوام و الذي أوصلها في خضم عداء غربي لهذه النتيجة المتوقعة وهذا النجاح القوي.
انا شخصيا لا أرى ان ايران كانت تشكل عائقاً ولن تكون امام مستقبل الشعوب العربية بل ان في لحظات الضعف امام العدو الصهيوني المستمرة كانت تزأر من هناك وتخلق الخلل الاقليمي المطلوب لإيقاف الآلة الاحتلالية القاتلة الفتاكة في كل من بلدينا الحبيبين فلسطين ولبنان ... ان ادراكنا لهذه القيمة الدولية يملي علينا ان نتوقف عن حالة التعصب والرّهاب الدينين و والهروب السياسي الخجول ولنمعن النظر في حلول اكثر واقعية ستفتح آفاق نحو التقدم والتنمية وشراكات مجدية بدلا من الشراكات الاقتصادية الوهمية التي مارستها وتمارسها الحكومات المتعاقبة في روتين كبّد الاردن خسارات مالية واجتماعية على مرّ السنين و دون التخلي عن مناهجنا الثقافية والدينية كي نتمكن على الاقل ان نتقدم خطوة للامام بعيداً عن تاريخنا المشوش منذ أخر خروج للمستعمر ...
اذا كنا في الحقيقة نجهل الفرق بين علم السياسة وثقافة التبعية كيف سنطبق يوما ما مبدأ بديهي في السياسة يتكلم عن المصالح المشتركة لا الاهداف , لقد تعلم سياسيو العرب جميع فنون التودد والتوسل ولم يستطيعوا رغم معرفتهم بذلك ان يوجهوا نداءات الاستغاثة تلك لوجهة ذات بعد طويل الامد وتخدم من طرف المصلحة قضايا ضاعت بين جامعة ومجلس...
نحتاج الى دقيقة صمت نقرأ فيها الفاتحة على افكارنا البالية , شعوبا هشة او حكاماً اكثر هشاشة وطمعا, الجميع يمكنه التخمين كيف يمكن ان تكون خارطتنا العربية الدموية بعد اعوام , انّ اكثر المتفائلين لن يتجرأ على البوح بأن الاسوأ هو القادم , الصراحة في لحظات الضعف لن يكون بمقدورها ان توقظنا من تنويمنا الاقتصادي والاجتماعي المزمنين...
ايران ليست شبحا يخوّف فيه الحكام شعوبهم , لقد مر على الشعوب ما هو أمر وأقسى , بلدان دمرت واحتلت , عصابات تكفيرية عاثت خرابا باسم الدين , فاسدون يتنزهون بكامل حريتهم فوق هموم الطبقات الكادحة , ظواهر من الفقر والبطالة اكتسحت كل الارقام العالمية وننتظر من امريكا وروسيا وفرنسا والصين واليابان وكوبا وفنزويلا انْ ينقذوننا! مصالحهم تتطلب ان نبقى خاملون بلا هدف , هائمون بلا وجهة , انّ النّار التي تأكل اوراقنا التنموية ونهضتنا التقدمية تبدأ شرارتها دوما من مخلفات منتجات مؤتمراتهم السياسية ولهيب غازات مصانعهم الاقتصادية المستمرة ...
الألم الاخلاقي والديني الذي تحمله العرب كان يوما ما لأجل قضية واحدة وأصبح اليوم ألف قضية نمسك واحدة وتنزلق تحت المناصب والكراسي مئات ومئات... إحداثيات ايران واضحة , لا يمكن ان نبني سياساتنا على سياسة بلدان اخرى تعيش بحبوحة مالية تعتقد انّ الفائض في الموازنة هو مفتاح النجاح والتقدم والثبات الامني ,ان تخوض المعركة وأنت تنظر الى الخلف لن تنتصر ,ما نراه من حالات حولنا تثبت لنا انّ مفاتيح الحل ليست كذلك ,
لا شكّ انّ مثل هكذا مغامرة من جانب الطرف الرسمي تستحق الدراسة والتخطيط ليس كحالة اقليمية عابرة وإنما كنهج جديد ومن طرف الملعقة وليس متمرداً دفعة واحدة عن الحاضنة المعروفة , داعش والتنظيمات و الملل الاخرى الضالة يستهلكون قوى الدول مادياً وزمنياً , وفيما يتعلق بالنظرية الحوثيّة حالة سياسية فكرية تسلسلت و سبقت بها ايران النظريات التقليدية المكشوفة عندنا ولكن ربّ ضارة نافعة ...
سلسلة التنازلات السياسية والاخلاقية لا تخفى على احد من القاعدة الى الهرم , الشجاعة الان لن تكلفنا باهظاً في حين ان التوسّل فيما بعد سندفع ثمنه كبيراً مع حسرة طويلة الامد...
shnaikatt@yahoo.com