من المعلوم أن كل شعوب الأرض تأخذ زمام أمورها بيدها ، وتقرر مصيرها بكل حرية . وعندما يحاول نظام من الأنظمة المساس بإرادتها يكون مصيره الزوال . وقد تابعنا عبر وسائل الإعلام العالمية انتفاضات شعوب بألوان مختلفة برتقالية وغير برتقالية حتى استعادت السيطرة على زمام الأمور. والأمر في الساحة العربية والإسلامية مختلف تماما بحيث دأبت شعوب هذه الساحة على السلبية القاتلة ، فلا الأحزاب السياسية ولا البرلمانات ولا جمعيات المجتمع المدني تستطيع أن توحد الشعوب العربية والإسلامية حتى حول قضاياها المصيرية بل بالعكس تعمل هذه الهيئات على تشتيت صف هذه الشعوب لأغراض سياسوية رخيصة ومصالح خاصة ضيقة. وأول سلبية قاتلة تسجل على الأمة العربية والإسلامية هو تعطل التواصل بينها بحيث لا تتداعى أعضاء جسد هذه الأمة بالسهر والحمى عندما يشكو عضو من أعضائها . وهذه علامة فقدان هذا الجسم للمناعة. فكل بلد عربي أو إسلامي يجتر آلامه لوحده ، وتكتفي باقي البلدان العربية والإسلامية بالتفرج عليه. لقد تفكك الصومال والسودان على سبيل المثال لا الحصر ، ولم تأبه الشعوب العربية والإسلامية لتفككهم ، ولم نر ولو مرة واحدة مسيرات الشعوب في البلدان العربية والإسلامية من أجل الضغط على الأنظمة للتدخل لصيانة وحدة الصومال والسودان واستقرارهما وكأن هذا الصومال او السودان لا يمتا بصلة إلى العالم العربي والإسلامي. وما يقال عن الصومال ولسودان ينطبق على دول عربية وإسلامية أخرى ذلك أنه تم غزو العراق وأفغانستان وكان من المفروض ألا تهدأ الشعوب العربية والإسلامية لهذا الغزو ، ولكن موقف هذه الشعوب كان السلبية القاتلة والموات. والأغرب أن قطاع غزة في فلسطين المحتل عرف أبشع هجوم في التاريخ البشري ، وجاءت ردود أفعال الشعوب العربية والإسلامية فاترة ولم تتجاوز بعض المسيرات والمهرجانات التي لم يحصل منظموها على ترخيص لتنظيمها إلا بشق الأنفس ، وبأحجام محدودة . وكان من المفروض ألا تهدأ الأمة طرفة عين بسبب هذا العدوان ولكن شيئا من ذلك لم يحصل ، وإنما حاولت هيئات سياسية وحزبية وجمعيات المجتمع المدني الارتزاق بالقضية من أجل مصالح خاصة وضيقة. وكانت بعض هذه الهيئات تتحرك بأمر من بعض الأنظمة من أجل الالتفاف حول الغضب الشعبي وامتصاصه قبل أن يصير غضبا عفويا شاملا يفضي إلى ما يشبه انتفاضات الشعوب التي تملك زمام أمرها وتقرر مصيرها ، وتفرض قرارها على أنظمتها. تكثر الشعوب العربية والإسلامية من انتقاد أنظمتها ولكنها لا تذكر سلبيتها القاتلة ، فهي أمة التفرج وانتظار من يقوم بدورها ويدفع ثمن التحرك لتتفرج عليه وتزداد سلبية وخوفا من المصير الذي يلقاه ، وتحمد الله على السلامة لأنها لم ينح نحوه ، وهي أمة سريعة الاتعاظ بما هو سلبي ، ولكنها لا تحرك ساكنا عندما يتعلق الأمر بما هو إيجابي ومطلوب ومحمود وواجب ومفروض. إن البلاد العربية والإسلامية المحتلة بدءا بفلسطين ومرورا بالعراق وأفغانستان لن تحررها الأنظمة . كما أن البلاد العربية والإسلامية الممزقة الأوصال أو المهددة بالتمزيق بدءا بالصومال ومرورا بالسودان لن تحافظ على وحدتها واستقرارها الأنظمة . وإن البلاد العربية والإسلامية المهددة من طرف جهات أجنبية لن تنقذها الأنظمة . وإن البلاد العربية والإسلامية التي تبتز خيراتها بشكل مكشوف ، وتخدش سيادتها من خلال التدخل المباشر في شؤونها لن تصون كرامتها الأنظمة . إن تحرك الأمة العربية والإسلامية من أقصاها إلى أدناها في شكل انتفاضات متواصلة هي السبيل الوحيد لاستعادة مناعتها وعافيتها من أجل الخروج من داء السلبية القاتلة إلى الإيجابية الفعالة التي تغير وجه خريطة العالم العربي والإسلامي ليصير عالما يفرض احترامه على كل من ينال من كرامته وبأشكال مهينة وغير مسبوقة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية . فمتى وكيف ستتنبه الشعوب العربية والإسلامية إلى داء سلبيتها القاتل ؟