هل في العمر متسع للخوف؟

الخوف شعور يتملكنا، بعضه غريزي وبعضه يزرع فينا. إدارة الخوف تصبح إحدى أهم مهاراتنا، فيظهر من بيننا الشجعان والأبطال والمجانين. نخاف على حياتنا وأموالنا والأشخاص الذين نحب. نخاف على اوطاننا ومستقبلنا، ونخاف عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، فتتلاشى الطمأنينة.
في كلية الشرطة الملكية التي تغير اسمها في ثمانينيات القرن الماضي لتصبح أكاديمية الشرطة، كان هناك فيلم قصيريشاهده التلاميذ وأعضاء الدورات وجميع زوارالكلية، وكان ذلك قبل تطور فنيات العلاقات العامة والتسويق الاجتماعي والمؤسسي الذي أدخل مفاهيم الرؤية والرسالة والأهداف والقيم وغيرها من المفردات التي تحولت إلى تعويذة أساسية يتمتمها الكثيرون دون التوقف عند مدى مطابقة مضامينها لواقع المؤسسة ووظائفها. في تلك الأيام كان فيلم الكلية الذي يجري تركيبه وفكه عن ماكنة العرض السينمائي 16 ملم يقول "منذ فجرالتاريخ كان المطلب الأوحد والأهم بالنسبة للإنسان هو الأمن، كان الامن ركيزة الحضارة". ويستمر الفيلم لمدة ربع ساعة وهو يتحدث عن أن الشرطة وجدت لتنهض بمهمة الحفاظ على الأمن؛ أي أنها وجدت للحد من الخوف والقلق والتوتر.
وعبر عشرات السنين كانت تسهر فعلا لتنام أعين الأمهات ومعها الإدارات المختلفة والمؤسسات التي تطمئن الناس على المستقبل، فقد كان الناس حريصين على أمانتهم وسمعتهم وشرفهم ومصداقيتهم. كنا نحن صغار الملتحقين نظن أننا نقوم بمهمة مقدسة وكنا نظن أن الرشوة مرض معد، فقد حصل أن اتهم أحد الزملاء آنذاك بأنه ارتكب جريمة الرشوة، وقد تم حجزه في نادي الضباط بانتظار المحاكمة. في تلك الأيام تجنب أي منا النظر إليه أو الحديث معه أو إلقاء التحية عليه، فقد كنت شخصيا أظن أن الرشوة مرض وأن الشخص يمكن أن يكون مريضا وقد ينقل لنا العدوى.
الخوف يتملك الكثيرين منا هذه الأيام فقد بتنا نخاف من كل شيء وتعددت مصادر الخطر. نخاف على حياتنا من جماعات احترفت صناعة الموت وتمددت في الجوار ونخاف على اقتصادنا من أيد تعبث به ونخاف على مستقبلنا ونحن نشهد العالم يتغير ونحن نراوح مكاننا أو نتراجع، ونخاف على أجيالنا وقد فقدت الكثير من الأهداف والقيم والمعاني التي يمكن ان تحفظ شيئا من هويتنا وشخصيتنا. نخاف من الشلل التي اجتاحت فضاءنا العام الذي لم تألفه فسخرت المواقع والفرص لها ولابنائها وأصدقائها واربابها. نخاف من نضوب ما تبقى من مواردنا ونخاف من تلاشي قدرتنا على التبادل والتأثير. نخاف من عجزنا عن تحقيق الأهداف التي تغنينا بها وأقنعنا أنفسنا بأننا نسير في اتجاهها.
الصحفي المرحوم نايف المعاني وفي آخر إطلالة له على قناة الحقيقة الدولية أثار السؤال الذي يشغلنا كل يوم حول الخوف؛ فسأل بلهجة الواثق أو الفارس الذي تهيأ للرحيل؛هل بقي في العمر متسع للخوف؟ نعم أخي نايف ربما لم يكن في أيامك متسع للخوف، لكن أيامنا لا تتسع لغير الخوف. فنحن نخاف المجهول ونخاف اضطهاد المتنفذين ونخاف تزلف المنافقين ونخاف تزاوج الجهل والنفوذ، ونخاف الوشايات وحروب الردة، وغضب من يظنون أن البلاد على قياس مصالحهم وليس لغيرهم أن يحبها إلا على طريقتهم. لقد رحلت ورحل الكثير ممن آمنوا بمشروعية السؤال الذي طرحته ولم تمهل أيا منا ليجيبك عليه؛ فهل كنت على عجل، أم آثرت ان تعفينا من حرج الإجابة؟ وبقينا نحن نضرع إلى الله أن يحمينا ويحمي بلادنا ويهدي ولاة أمرنا وييسر لهم بطانة صالحة، وننتظر خطب الجمعة لنؤمّن بعد الخطيب وندعو الله ان يعطينا خير ضحكاتنا. الخوف من المجهول هو أعظم مخاوفنا.