عمان الشرقية: لِمَ الشكوى؟!

لن أناقش مزاعم البعض بأن الحكومة قطعت الكهرباء عن مناطق في شرق عمان، لتغطي زيادة الطلب عليها في مناطقها الغربية، إبان موجة الحر الأخيرة غير المسبوقة؛ فهذه المزاعم هي نسج من خيال. ولا أظن أن الحكومات، عموماً، والجهات المعنية مباشرة على وجه التحديد، تميز عن قصد بين أهل عمان، شرقا وغربا.
لكن قصور الأداء، وغياب العدالة وسوء توزيع المكتسبات، تولد شعورا لدى فئات بالتهميش، يخلق بدوره استياء من قبلها تجاه الآخر، وتجاه المسؤولين.
ومن ثَمّ، يبدو من الضروري التوقف عند شعور المرارة لدى سكان المناطق الشرقية من العاصمة، وإحساسهم بأنهم "عمّانيون من الدرجة الثانية"، كما تجلّى ذلك خصوصاً خلال أيام الموجة الحارة الماضية، والتي فاقم تأثيرها انقطاعات الكهرباء الطويلة والمتكررة، بما عقّد حياة كثيرين من سكان تلك المناطق وأربكها، أكثر مما هي عادة.
حديث شرق عمان، وفتح باب المقارنة بين أحوال سكانها وحياتهم وبين الرئة الأخرى للعاصمة؛ غرب عمان، كما خروج توصيفات طبقية، كل ذلك يعكس الفرق الشاسع بين المنطقتين، ويسلط الضوء على الفوارق الكبيرة بينهما. وقد وجد سكان شرق عمان في انقطاعات التيار الكهربائي فرصتهم للتعبير عن أفكار لديهم تتعلق بالفجوة الخطيرة بشأن ما ينعم به أشقاؤهم من أهالي غرب عمان من خدمات لائقة، فيما يعانون هم من تدني مستوى هذه الخدمات.
وشكوى هؤلاء في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إنما هي تذكير جديد بفشل جهود تقليص التفاوت حتى داخل عمان نفسها، والإخفاق بالتالي في إنهاء الشعور بالدونية (مع الاعتذار عن الوصف) لدى البعض غير القليل، ما جعل الأيام الأخيرة مناسبة لبث ضيقهم من المعاناة التي يتسبب بها ضعف البنية التحتية وتردي مستوى الخدمات. 
ظاهريا، الكهرباء هي السبب. لكن الأسباب العميقة للشكوى ترتبط، أولا، بعدم الوفاء بوعود إحداث التنمية، وبالتالي فشل الحكومات في إشباع طموحات هذا الجزء من المجتمع إلى حياة أفضل. بعبارة أخرى، وحقيقة الأمر، أن التذمر ليس من انقطاع الكهرباء، بل هو كان مناسبة فحسب للتعبير عن معاناة مع الفقر والبطالة وسوء خدمات، وغياب العمل الرسمي في تلك المناطق، وأخطر من ذلك تركهم فئات مستغلَة من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني.
ومشكلة الحكومات ليست في نقض العهود وعدم إنفاذ وعودها فحسب، بل أهم من ذلك هو عدم إدراكها للتغير الكبير الذي لحق بعدد سكان العاصمة إلى اليوم؛ فلم تعد مدينة لا يتجاوز قاطنوها 100 ألف نسمة، بل هم يقتربون من خمسة ملايين إنسان، وبحيث أصبحت الإمكانات المطلوبة للاستجابة لاحتياجاتهم أمرا غير هيّن.
التخطيط لسكان العاصمة يحتاج إلى تفكير متكامل من قبل مختلف الجهات المعنية، تقع ضمنه إعادة النظر في الخطط السابقة، بحيث تكبر عمان وتتسع لتكون أكثر واقعية؛ تستوعب التغيرات التي طرأت خلال السنوات الأخيرة خصوصاً، لاسيما الزيادة السكانية الكبيرة. 
خطورة إهمال شرق عمان أنها تفاقم الفجوات الاجتماعية بين العمّانيين، بما يولد الكثير من التبعات الاجتماعية، نتيجة تعقيد العلاقات بشكل ينعكس، مثلا، باتجاه مزيد من العنف المجتمعي، أو سلوك الشباب طريق الجريمة وتعاطي المخدرات. 
ينطبق المثل الشعبي القائل "القصة مو رمانة.. القصة قلوب مليانة" على شكوى سكان شرق عمان؛ فهي أخطر وأعقد كثيرا من مسألة انقطاع الكهرباء لساعات.
جمانة غنيمات - الغد