حاكموهم كلهم أو أطلقوهم كلهم!

شكل قرار إحالة سبعة وثمانين شابا من شباب 24 آذار الذين شاركوا في نشاطات الحركة في دوار الداخلية إلى مدعي عام الجنايات الكبرى صدمة كبيرة لي، وربما للكثيرين، الذين تنسموا هواءً مختلفا خلال الأيام الفائتة، كان يشي بأن صفحة جديدة في سبيلها إلى أن تفتح، غير أن إحالة هؤلاء إلى المدعي العام أعادنا على نحو أو آخر إلى المربع الأول؛ إلى ما قبل إعادة التئام لجنة الحوار الوطني الأخير!

 

القرار كما يقول الشباب تصعيد حكومي خطير في وقت قال فيه أكثر من مسؤول إنه لن يتم ملاحقة اي شاب قضائيا، وبالفعل فقد تم إسقاط بعض التهم عن الشباب، حيث سبق أن اوعز مدعي عام عمان الدكتور حسن العبدلات بعدم توقيف اي شخص على خلفية أحداث دوار الداخلية، وكما علمنا من بعض المعتصمين فقد تم طلبهم صباح الخميس لمراجعة مدعي عام الجنايات الكبرى لإغلاق ملف القضايا المرفوعة بحقهم، أو هكذا توهموا، ولكنهم فوجئوا ان القضايا ما زالت مرفوعة عليهم وتم تحويلها إلى القضاء، حيث تم إسقاط جميع التهم ضد المعتصمين ما عدا تهمة مقاومة رجال الأمن، أما التهم التي أسقطت فهي التجمهر غير المشروع, وإثارة النعرات, والتحريض على الشغب, إضافة إلى تهم أخرى!!

 

بصراحة شديدة، نشعر أن هذه الخطوة تعيد التوتر إلى الشارع، خاصة وأن عشرات ملفات الفيديو التي ملأت فضاء الإنترنت تثبت أن الشباب كانوا ضحية، ولم يظهر أن أيا منهم قاوم رجال الأمن، بل إن معلوماتنا المؤكدة تقول إن رجال الأمن أنفسهم أصيبوا بحجارة المشاغبين الذين هاجموا المعتصمين ورجال الأمن، حيث تم تسجيل نحو ثمانين إصابة بين رجال الأمن العام، بعضها حرجة للغاية وبعضها متوسطة، وكل هذه الإصابات جاءت من رماة الحجارة، وكان الأولى أن يقدم هؤلاء إلى المحاكمة لا المعتصمين، الذين اكتفوا بتلقي الضرب أو الإنزواء بعيدا عن مرمى الحجارة، وتصرفوا بأدب جم وبشكل يُشكرون عليه، وقد كان بإمكانهم الرد على العنف بالعنف بمثله، لكنهم آثروا الالتزام بسلمية نشاطهم، فكانوا ضحايا ولم يكونوا معتدين، فكيف تتم محاكمتهم؟

 

إنني أدعو لجنة الحوار الوطني أن تتخذ موقفا حاسما من هذه القضية، خاصة وأنها تمثل على نحو أو آخر إرادة الدولة وموقف صانع القرار، ولا يمكن أن يستقيم أمر حوار في مثل هذا الجو، ولا نفهم كيف تحاور في جبهة وتحاكم في جبهة أخرى!

 

كما أنني أناشد من هذا المنبر رئيس الحكومة أن يتدخل شخصيا في طي هذا الملف، والتوقف عن محاكمة الشباب، لأن أمرا كهذا من شأنه تسميم الأجواء، وتعطيل أي جهد وطني لالتئام الجراح، إلا إذا كان هناك قرار بإبقائها تنز دما، بل أشعر أن ثمة من يرشها بالملح لهدف لا نعلمه، خاصة وان أجواء التحريض استمرت على نحو أو آخر ضد بعض الإعلاميين ، ناهيك عن بعض الاعتداءات التي تمت ضد بعض من رموز الإسلاميين كالشيخ حمزة منصور وغيره.

 

الفتنة نائمة، وقد استيقظت في الآونة الأخيرة، ثم نامت، أو تناومت، فلِمَ نصر على إبقائها مستيقظة؟ ولمصلحة من؟ ولماذا نصر على استفزاز الناس وقهرهم على هذا النحو؟؟ إذا كان لا بد من محاكمة المعتصمين، فلا بد من محاكمة الجميع، لأنهم كلهم أردنيون وابناء بلد، والقانون لم يفصل لتطبيقه على جهة، فيما تترك جهة أخرى تعيث في الأرض فسادا وإقلاقا لراحة البشر!