شكلها قرّبت... يرحمك الله تعالى يا أبا شهم


قالها المرحوم نايف المعاني قبيل وفاته التي استقطرت دمع كلّ من يعشق الأردن وطنًا وملجأ، يذرفها على رجل ترى فيه الشّهامة والنّخوة والصّدق والعفويّة، رجل ما فتئ دوما يلهج حرقة وخوفًا أن يصيب هذا البلد مكروه لا قدّر الله، رجل جمع في ملامحه وبريق عينيه الأردن؛ جبله وغوره، مدنه وريفه ومخيّمه. رجل رأى الوطن حضنًا في حين رآه آخرون( بزنس). رجل وقف للفساد واللصوص والسّرسريّة بقلمه ولسانه وقفة الشّجاع الذي لا يخاف في الله لومة لائم ولا لئيم. رجل يعدّ مدرسة في الوطنية؛ انتماء ووفاء وولاء للوطن؛ ولا شيء غير الوطن.
أيّها اللصوص، انتقل نايف المعاني إلى رحمته تعالى وسبعة ملايين أردني يبكونه حبًّاومحبّة. وعندما تنفقون عن( قريب) سيسعد بموتكم السبعة ملايين أردني نفسهم، متمنين لكم الويل والثّبور وعظائم السّياط والثّبور؛ فشتّان شتّان بينكما!
لقد استبصر ( أبو شهم) موته وهو يوصي الأردنيين الخُلَّص بوطنهم خيرًا، وستنفقون عن قريب وأياديكم ما تزال تسرق دواء الأطفال والعجائز، وتنهب ما تطاله من مقدرات البلد، وتوقّع عقود السّمسرة والتّنفيع، وتشرّع القوانين والموادّ والتّعليمات التي تنغّص على أشراف هذا البلد من عسكر وموظفين وعمّال يسبحون عرقًا لتأمين لقمة عيش كريمة لأسرهم وعيالهم. مات أبو شهم والكل يدعو له بالرحمة والمغفرة وجنان الخلد. وستموتون ولكن من دون أن تسمعوا من الأردنيين كلمة ولا دعاء، بل سيكسرون الفخار والجرار والخوابي وراء نعشكم الذي ستحفّه الشياطين والأبالسة الذين سوّلوا لكم عبادة السرسرة والحرمنة حتى أصبحت من سجاياكم التي تشبّثتم بها حتى آخر نفس في دنياكم.
أيّها العابثون، من يعبث بعود كبريت فسيحرق أصابعه وحده، ومن يعبث بمسدس أو أيّ قطعة سلاح فسيقتل نفسه أو فردًا غيره فقط، ولكن من يعبث بالوطن فالضّحيّة حينئذ كبيرة جدًّا؛ الضّحيّة هي الأردن كلّه لا قدّر الله تعالى. واعلموا أيّها العابثون بأمن هذا البلد أنّنا استضفنا كلّ عربيّ ضاقت بلاده به، ورحبّنا بكل عربي مسلم فرّ بحياته وعِرضه، ولكن كما قال أبو شهم رحمه الله: واللهِ( وبكسر الهاء) لن تجدوا ملجأ تلجؤون إليه إن أصاب هذا البلد ما يخطّط له العابثون من دمار. إن أردتم أن يُهتك عرضكم فاعبثوا، وإن رغبتم أن تعيشوا على فضلات ومساعدات الدّول من سردين وبطانيات فاعبثوا، وإن حننتم إلى أن تعيشوا في العراء كالقطعان السّائبة فاعبثوا. وإن أحببتم أن تتاجروا بحرائركم وأطفالكم...... فلكم الخيار؛ ولكن أنّى لكم هذا ما دام في الأردن من يرى الأردن عشّه؛ الذي يرى في ضيقه سعة، وفي مساحته زهرة ياسمين صغيرة تنشر عبقها الطّيب أميالًا وفراسخ.
أيّها الأشراف الأردنيين من الدّرّة إلى عمراوة، ومن وقّاص إلى الرويشد، الأردن خيمتنا فلنشدّ ركائزها وندعمها في أرضنا الطّاهرة جيّدًا، ولنفتل صوفها ووبرها؛ كي تصمد في وجه الرّيح إذا هبّت، ولنرتق شقّها ونخيطه؛ لكي لا يتّسع فيصعب علينا حينها رتقه وإصلاحه. ولنحمها من الضّباع والذّئاب والثعالب والخفافيش التي تحوم ليلًا ترقب فينا ( سهوة) أو غفوة أو إغفاءة تتسلّل إلى جفوننا. ولنحمِ واسطها وأطرافها؛ كي تبقى مرفوعة عالية تتسع لكلّ هامة منتصبة مرفوعة. وما قولي هذا إلا من باب التذكير؛ فما عندكم أيها الأشراف من أبناء جلدتي أوسع وأبلغ.
نم قرير العين أبا شهم؛ فوالله ما عرفناك إلا سيفًا مسلّطًا على الفاسدين؛ كبيرهم وصغيرهم. وما عهدنا بك إلا نصرة المظلوم تنقل مظلمته إلى من يعنيهم الأمر إن عناهم. ولا يسعنا إلا أن ندعو لك برحمته تعالى ومغفرته، وأن يكون مأواك الجنة بإذن الله.