كأننا ندور في حلقة مفرغة!

تُقر الحكومة قانون تشجيع الاستثمار، لكن لتصطدم بعد ذلك بمعيقات يفرضها القانون نفسه؛ فتبدأ الشكوى، ونعود إلى المربع الأول! هذا نموذج على ماهية الرؤية في إدارة كثير من الملفات محليا.
إذ في مختلف القطاعات، نجد أمثلة صارخة أخرى على ذلك؛ في السياسة والاقتصاد والمحاور الاجتماعية؛ ما يبقي عوامل ضعف النتائج واردة، وبالتالي يكون الفشل في إحداث فرق أمرا حتميا.
التنظير كثير، والشعارات ليس هناك ما هو أكثر منها، فيما المشكلات على حالها؛ هذا إن لم تتعمق أكثر، لتصل إلى مستويات يصبح الحل عندها صعباً، أو حتى إنارة شمعة في آخر النفق، تعطي أملاً بإمكانية التغيير.
الاقتصاد هو المثال الأبرز على الدوران في حلقة مغلقة. فعلى امتداد سنوات "الربيع العربي"، ترسخ النجاح الأردني الكبير في تجاوز اضطراباته بسلام، مترافقا ذلك مع استمرار الحديث عن كيفية استغلال هذه الفرصة القائمة.
لكن، وللأسف، فإن ما تم "تحقيقه" يؤكد غياب عقل مركزي يفكر بصعوبة الوضع الذي بلغه الاقتصاد، ويضع خريطة طريق للانتقال إلى مرحلة جديدة مختلفة، أفضل للناس والمجتمع. بل على العكس؛ ظل غياب "المطبخ الاقتصادي" السمة السائدة، بعدم وجود فريق اقتصادي يفكر في آلية بناء الأفق المفقود. والنتيجة: هي ما نرى الآن.
المعطيات اليوم لا تشير إلى أن ثمة شيئا مختلفا، بل وتفرض المؤشرات دق ناقوس الخطر، وإعلان حالة طوارئ اقتصادية، بدلا من البقاء في دائرة الظلام التي لن تفضي إلى نتائج جديدة.
العمل المطلوب يكون منطلقه تحديد المشكلات وترتيبها بحسب الأولويات، ليلي ذلك التفكير خارج الصندوق سعياً إلى وضع خطة قصيرة المدى، لتحقيق أهداف تؤسس بدورها لبلوغ أهداف متوسطة المدى.
للحقيقة، فإنه حين تجلس مع مسؤولين معنيين بالشأن الاقتصادي ومتابعين له، تسمع أفكارا تفضي بالتأكيد إلى نتائج أفضل. لكن المعضلة أن هذا الحديث يبقى إما حبيس الغرف المغلقة، أو خارج الإطار الرسمي.
ومن ثم، فإن الحل يبدأ من حوار مفيد، يؤسس لآلية جديدة في العمل، يمضي إلى تحقيق أهداف محددة.
المطلوب أرقام نمو جيدة، وتخفيف البطالة بين الشباب، وخطة حقيقية لتخفيض مخاطر ارتفاع الدين العام. والسبيل إلى ذلك قد يكون عبر الخيار "الأسهل"، ممثلاً في إنفاق حكومي بلا تحفظات. لكنه "حل" لم يعد يلقى قبولا من أي طرف عاقل، لنتائجه الكارثية على البلد، وعجز الموازنة عن توفير موارد مالية لتحقيق نمو مضاره أكثر من منافعه.
أما السبيل الثاني، فيكون بالاعتماد على دور أكبر للقطاع الخاص في العملية الاقتصادية. وهو أمر ممكن، لكن له شروطه التي ترتبط بطرفي المعادلة: الحكومة التي يقع على عاتقها تأسيس بيئة مواتية للاستثمار، ترتبط حتماً بالتشريعات وتوفير البنية التحتية. أما الطرف الثاني، فهو القطاع الخاص، الذي يحتاج، أولا، إلى إيمان بدوره الوطني؛ وثانيا، التخلي عن قليل من أنانيته و"دلاله". فيترافق ذلك مع جهد حكومي لجذب الاستثمار، الذي من دونه لن نرى الضوء في آخر النفق، والخشية أن نفقد النفق نفسه!
الحل، إذن، هو الاستثمار، بعد إعلان حالة الطوارئ التي تفضي إلى وضع رؤية إصلاحية ثورية، تخرج بنا من الدائرة الصغيرة، نحو الأمل من جديد.
بعكس كل ذلك، سيبقى مصير الاقتصاد والمشاكل الاجتماعية المرتبطة به سيفا فوق رقابنا، ولن نحدث الفرق المطلوب لتجنب سيناريوهات سلبية.