لبنان بين السياسة والزبالة!
أتابع أخبار «أزمة الزبالة» اللبنانية باهتمام كبير، ليس لفرادتها، ولا لخطورتها، ولا حتّى لطرافتها، ولكن لأنّها تُذكّرني بمقطع من كتابي «أنا، ولكن»، الصادر قبل سنوات، والغريب أنّ ذلك النص الذي أقتبسه تالياً، يكاد يتحدّث عن اليوم، ويقول:
«في ليلة، كانت طائرتنا تَهبط ببطئها المعهود نحو بيروت، فتتهادى ذات اليمين وذات اليسار، وبين سحر اللحظة المختلط فيها انعكاس ضوء القمر على مائها، وتموّجه على سمائها، تملّكني الخوف حين رأيت سحابة دخان أسود تخترق السماء. نحن الآن بعد اغتيال رفيق الحريري بقليل، وصورة الانفجار ما زالت تستحوذ على عينيّ، أشرت بأصبعي إلى هناك، دون أن أخفي هواجسي، فلم أجد ردّاً، كُنتُ أحادث نفسي، ثمّ زاد خوفي مع رؤية الدخان يتزاوج مع الغيم، فأعلنتُ لذلك الجالس إلى جانبي بأن بيروت تحترق، وأظنّ أنّني بالغتُ في الخوف إلى درجة أنّ الأمر أربك الركّاب، وهبطت الطائرة بسلام.
على الأرض، ومع أسئلة غَمَرتُ مستقبليّ بها: هل هناك من حريق، من انفجار، مِن اشتباك، مِن حَرب؟ كانت الإجابات تصدّني إلى درجة أنّني ظننتُ أنّني أصبت بهذيان لبنان، وأنّ خوفي عليه أخذني إلى الهلوسة. في الفندق، كان النادل يضحك، وهو يأتيني بطلبي. عرفتُ منه أنّ هناك منطقة يحرق فيها اللبنانيون زبالتهم، ليلاً، فتطلق تلك السحابة...
يا الله، يا بيروت، كم خفتُ عليك، في تلك الليلة.
وكَم أنا على يقين، بأنّ على زبالتك، المُكدّسة، أن تُحرق»... انتهى الاقتباس.