القصر الملكي ضاق ذرعا بجدل الهويات ومؤسسات سيادية ستتولى الملف بعيدا عن بيروقراطية الحكومة
اخبار البلد- لا يمكن عمليا بعد اليوم التذرع بقدم السجلات والحالات فيما يخص ظاهرة سحب الجنسيات في الأردن فالملك عبدلله الثاني شخصيا تحدث ظهر الأربعاء مع أهالي مخيم الوحدات للاجئين وسط عمان ولم يكتفي بإشاراته السابقة بخصوص تجميد ووقف سحب الجنسيات بل قال بوضوح وبالفم الملآن وامام وجهاء المخيم بان المواطنين الأردنيين الذين لحق بهم ظلم بسبب تطبيقات قرار فك الإرتباط ستعاد لهم حقوقهم.
.. الكلام الملكي هنا واضح ولا يقبل التأويل ولا يمكن اللعب أمامه بأدوات البيروقراطية المعهودة الخبيرة في الواقع ليس فقط بتضليل الناس ولكن القادة أيضا.
ومعناه- أي كلام الملك الأردني- أن الجنسية ستعاد لكل من سلبت منه ظلما وتعسفا تحت عنوان فك الإرتباط دون ان يعني ذلك سياسيا وبوضوح العودة لصيغة الإرتباط مع الضفة الغربية لإن العاهل الأردني وببساطة أوصل في مخيم الوحدات رسالته السياسية الأهم لعدة اطراف بعنوان: غير مقبول أردنيا اقل من صيغة حق العودة والتعويض معا.
لا جديد عمليا في موقف الأردني السياسي من الملف برمته ولا جديد في الواقع في طروحات القصر الملكي الوحدوية بخصوص الجبهة الداخلية وإعلان الإستياء في الغرف المغلقة وعدة مرات من سياسات سحب الجنسية حتى وصل الأمر في أحد الإجتماعات لتوجيه عبارة مباشرة للنواب مضمونها: فلتسحب الحكومة الجنسيات وسنعيدها عبر الديوان الملكي.
وبما انه لا يوجد جديد من حيث المواقف المبدئية يتشكل السؤال التالي: ما الذي دفع العاهل الأردني لإعلان إلتزام كبير من هذا النوع يقضي بإعادة الجنسية لمن فقدها بسبب تطبيقات فك الإرتباط الظالمة ؟.. هذا الإلتزام لا تقف مؤسسات المملكة البيروقراطية ضده فحسب بل تقاومه بشراسة منذ عشر سنوات وهو إلتزام يعلن وفي مخيم الوحدات للاجئين أشهر مخيمات الأردن ولأول مرة ؟.
.. ذلك برأي الخبراء لا يؤشر فقط على إنزعاج الرجل الأول من التجاهل المستمر لمسألة المساس بالحقوق الدستورية لمواطنيه وبذرائع باهتة وبيروقراطية تصنع إنقساما مجانيا في المجتمع.
وقد يؤشر أيضا على ان الرسالة تبدو حازمة هذه المرة ليس للمواطنين البسطاء الذين تسحب جنسياتهم وتجمع الالاف منهم في أزقة المخيم لمصافحة الملك فقط ولكن أيضا لكل المسئولين الذين رافق بعضهم الملك في جولته {الوحداتية } أو لم يرافقوا ويعلمون بقرارة أنفسهم بان الرسالة أكثر حزما هذه المرة وموحهة لهم وليس للناس البسطاء ولغيرهم من الذين يرفضون الإلتزام بالتوجيهات.
لذلك وقف وجيه العزايزة مسئول المخيمات في الأردن واحد أبرز أبناء اللاجئين في الدولة الأردنية ليقول للملك أمام أهالي مخيم الوحدات : سيدي نحن لا نخاف في الأردن ولكن نخاف على الأردن ووحدة المصير ليست وحدة جغرافيا بل وحدة رسالة وفكر .
وعلى نحو أو آخر ثمة في اروقة القرار الأردني من يتصور بان الإلتزام الذي تقدم به العاهل الأردني امام ضحايا تطبيقات فك الإرتباط في أحد أكبر مخيمات بلاده عبارة عن {تكشيرة} سياسية تتقصد طبقة من البيروقراطيين تحتل مفاصل أساسية في القرار الإداري وتتمسك بهدف واحد فقط هو حماية الوطن الأردني عبر وسيلة واحدة ويتيمة هي التوسع في سحب جنسيات أبنائه.
ونفس التكشيرة تصلح اليوم سياسيا لإغلاق ملف سحب الجنسيات الذي تسبب {بصداع دائم} لقصر الملكي طوال الأعوام الماضية سواء عندما يتعلق الأمر بسمعة الأردن ومصداقية نظامه الحقوق والدستوري او عندما يتعلق بما أبلغه للملك مباشرة الرجل الثاني في مجلس النواب عاطف الطراونة عندما قال: جلالة الملك أشقائنا الأردنيين من أصحاب المال ورجال الأعمال في دول الخليج والخارج يحجمون عن العودة لوطنهم بسبب خوفهم من سحب جنسياتهم.
الواضح اليوم ان القصر الملكي الأردني ضاق ذرعا بإستمرار مسلسل سحب الجنسيات الذي ثبت مؤخرا انه طال حتى ضباطا متقاعدين في مؤسسات المملكة العسكرية في مفارقة غير مسبوقة.
وبسبب هذا الضيق بدأ مسلسل التصويب فتحدث الملك علنا ولأول مرة مستثمرا جولته الوحداتية عن إعادة الجنسية لضحايا فك الإرتباط حسما للأمر وتم تغيير مدير إدارة المتابعة والتفتيش المتشدد بقصة السحب في وزارة الداخلية والذي خالف التوجيهات عدة مرات كما تعهد رئيس الوزراء معروف البخيت في القصة.
وإتخذت إجراءات يبدو انها ستساهم قريبا في سحب ملف القيود المدنية المشطوبة من حضن الحكومة وجهازها البيروقراطي والأمني إلى حضن آخر سيادي في الدولة أكثر إحترافا ومهنية وإلتزاما بالتوجيهات والتعليمات على امل طي الصفحة, الأمر الذي يتوقع ان يقاومه مجددا بعض حراس الوطنية الأردنية الذين تركوا المشروع الصهيوني وطاردوا ضحاياه فقط.