«الأونروا» الأزمة الصامتة والاشتباك الأردني

أخبار البلد-  حازم عياد
نائب رئيس الوزراء وزير التربية الدكتور محمد الذنيبات أعلن «أن وزارة التربية لا قدرة لديها على استيعاب طلاب الأونروا»، وهو أول اشتباك حكومي بهذا المستوى مع الحالة المتردية للأونروا التي من المتوقع ان تتسع دائرته لتشمل كافة الاقاليم والدول المستضيفة، فهي أزمة في ظاهرها الهدوء وفي باطنها صخب كبير، فهناك أزمة ملحة تتعلق بـ»خدمات التعليم»، واخرى صامتة ذات طبيعة تراكمية ترتبط بـ»الخدمات الصحية» الى جانب حق العودة بما يحمله من تداعيات سياسية مقلقة، أزمة ذات أثر تراكمي يصعب التكهن بنتائجه وتفاعلاتها.
فهناك 120 ألف طالب فلسطيني يتلقون تعليمهم في مدارس الأونروا سيواجهون عاما دراسيا مضطربا في الأردن، فبداية العام الدراسي توافقت مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته الأونروا لوقف خدماتها لعجزها عن توفير الرواتب والتمويل، والتي تشمل توفير رواتب لـ7 آلاف موظف يعملون في القطاع التعليمي والصحي، يمثلون ما يقارب ثلث موظفي الأونروا في الدول المستضيفة البالغ تعدادهم 30 الف موظف.
أزمة خدمات التعليم تمثل المقدمة الطبيعية لمعارك طويلة ومرهقة للاجئين والعاملين في الأونروا والدولة الأردنية، فالخدمات التعليمية وان كانت عنوان المرحلة لتوافق وقف الخدمات مع انطلاقة العام الدراسي الا انها ليست العنوان الوحيد، فوزير التربة والتعليم الدكتور محمد الذنيبات بتصريحه الصحفي لوكالة الانباء «بترا» ذكر بوجود ما يقارب 130 الف طالب من اللاجئين السوريين على مقاعد الدراسة، يمثلون عبئا اضافيا لم تتمكن المملكة من التكيف معه، في اشارة الى عدم توفر امكانية لدى الوزارة للتعاطي مع أزمة جديدة، كما انه لم يتناول الخدمات الصحية او يناقش التداعيات السياسية لوقف خدمات الأونروا واقتصر اهتمامه على عمل وزارته.
الأزمة تخفي في باطنها أزمات ستنفجر تباعا، فأزمة الخدمات الصحية ستظهر من خلال التأثير التراكمي على أسر اللاجئين الفلسطينيين على مدى عام؛ ما يجعل منها أزمة صامتة وأقل صخبا؛ لكنها لا تقل خطورة عن أزمة التعليم أثرا، فالقطاع الصحي يقدم خدمات لما يفوق المليون لاجئ فلسطيني يراجعون المراكز الصحية التابعة للوكالة في الأردن كل عام بحسب الاحصاءات الاولية؛ ما يعني ان الأزمة اكبر بكثير من مجرد 120 ألف طالب فقط يتلقون التعليم في مدارسها في الأردن، والمعركة الملحة حول خدمات التعليم تخفي تحتها أزمة اعمق ستنجم عن تعطل الخدمات الصحية مستقبلا، وما يتبعها من تفجر جدل سياسي لا يقل خطورة عن الجدل المرتبط بالخدمات المقدمة من الأونروا.
الاوضاع المتدهورة للأونروا لا تقتصر على الحالة الأردنية التي بادرت حكومتها ممثلة بوزير التربية ونائب رئيس الوزراء الذنيبات في الاشتباك معها، إذ تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المستضيفة في سوريا ولبنان، فلبنان وحده يستضيف مليونا ومئتي الف لاجئ سوري يحتل اللاجئون من مخيمات الشتات الفلسطيني في سوريا نسبة معتبرة، منهم ما فاقم أزمة الأونروا في لبنان وأزمة الحكومة اللبنانية وأسهم في تدهور اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل قد يتولد عنه على المدى المتوسط تهديد لاستقرار الدولة اللبنانية ذاتها.
الدول المانحة بدورها لم تتخذ اي اجراء يسمح بمعالجة العجز الذي تعاني منه الأونروا، والمتولد عن عجز متراكم وأزمة تجتاح الاقليم بدءا بسوريا وليس انتهاء بلبنان، فضلا عن الاعباء التي ترتبت على اعتداءات الكيان الاسرائيلي المتكررة على قطاع غزة، الى جانب الحصار الذي زاد من الاعباء الملقاة على عاتق الأونروا واستنزف مواردها، فالدول المانحة لم تأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات طوال السنوات الخمس الماضية، ولم ترفع من مستوى المنح والمساعدات المقدمة للأونروا اسوة بالدولة المتضررة من ازمات الاقليم وموجات اللجوء، وباتت تستعرض ما تقدمه من التزامات وكأنه نهاية الطريق بشكل اثار شكوك قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني بل الدول المستضيفة.
ما ينطبق على التعليم والصحة ينطبق على الاثار الاجتماعية والسياسية في الاقاليم كلها ولدى الدول المستضيفة، فالتوقعات والتكهنات حول سبل ادارة الأزمة تدفع نحو رفع منسوب التوتر لدى اللاجئين والدول المضيفة، والحلول الممكن التكهن بها او الترويج لها عبر الشائعات ان كانت قابلة للتنفيذ في اقليم او دولة مستضيفة فهي مستحيلة في اخرى، وحالة الاشتباك الأردنية وان قرعت ناقوس الخطر واشتبكت مع قطاع التعليم كمرحلة اولى الا انها تبقى خطوة في بحر كبير يحوي العديد من الازمات، ويتوزع فيه اللاجئون في خمس اقاليم؛ ما قد يفجر أزمة جديدة بين الدول المستضيفة في الاقاليم المختلفة التابعة للأونروا، خصوصا اذا انعدم التنسيق فيما بينها لتحديد سبل التصدي لأزمة بالحفاظ على الأونروا واهدافها.
التكهنات والغموض سيسود الموقف خصوصا اذا ترافقت مع مساومات ومفاوضات قد تديرها الدول المانحة والأونروا والامم المتحدة تقود الى تنازلات تفاقم أزمة الثقة بين الدول المستضيفة، كما ستفاقم أزمة الثقة بين الفلسطينيين وقيادتهم، ازمات وسيناريوهات مقلقة في ظل صمت وتطمينات بعيدة عن الواقع الميداني المتدهور، سيناريوهات في مجملها ستقود الى مزيد من التآكل لحالة الاستقرار الاقليمي، مسألة لا زالت الدول المانحة والامم المتحدة تتعامل معه بكثير من البرود لتتحول الى أزمة مركبة يصعب التكهن بتفاعلاتها رغم الهدوء الظاهري المرتبط بها والانطباعات التي تظهر بين الحين والآخر ان الامور تحت السيطرة.