قـراءة فـي نتائـج الثانويـة العامـة

ظهرت نتائج الثانوية العامة كنتيجة لعملية تربوية تعليمية لهذ الفوج –وكل فوج- استمرت اثني عشر عاماً بالكمال والتمام، وحملت بين طياتها سياسات واستراتيجيات واجراءات وفعاليات وغير ذلك، وتناوب على مخرجاتنا التعليمية الكثير من أصحاب القرار والتربويون والمعلمون، وللأمانة والانصاف بدأنا نلحظ ضبطاً ادارياً نوعياً لعملية اجراء امتحان الثانوية العامة يشار له بالبنان منذ أن عمل معالي الأخ الدكتور محمد الذنيبات كوزير للتربية والتعليم ومن ينكر ذلك فهو جاحد وغير منصف.    فالجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم جبّارة بحق لكن نتائج الثانوية العامة على الأرض تعكس حالة من عدم الرضا عند الأهل والطلبة والقطاع الخاص من جهة والقائمين على متابعة مخرجات التعليم العام من جهة أخرى، فنسب الناجحين وصلت الى 41% في التعليم الأكاديمي منها 59% للعلمي و 21% للأدبي و 20% للشرعي و 29% للمعلوماتية و 30% للصحي، وواضح أن طلبة الفرع العلمي هم من رفع النسبة لأنهم أذكى الطلبة والأكثر قدرة على التحصيل الدراسي والّا فهناك مصيبة حقيقية في نسب النجاح والرسوب، وكأن ما تستثمره الدولة من موازنة وجهود ووقت ولوجستيات وغير ذلك طوال الاثني عشر عاماً لا يخرج منه للنور سوى أقل من نصفه! وهذا بالطبع شيء محزن واستثمار غير مُجدٍ ويحتاج لوقفة تأمل ونظرة مستقبلية تُترجم على الأرض لاصلاح تربوي شامل وخصوصاً أن الوزارة تعقد مؤتمرها لتطوير التعليم هذا الوقت والذي كنّا نرجو الله مخلصين أن يأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجيات السابقة الجيدة للوزارة وكذلك مخرجات اللجنة الوطنية لتطوير التعليم العام والعالي والتي تشكلت من قبل مجلس الوزراء الموقر مؤخراً. نجح 32 ألف طالب في الثانوية العامة لهذا العام 2015 وستستقبل الجامعات 31 ألفاً منهم، وكأننا نقول بأن كل مَنْ سيتقدّم بطلب جامعي سيتم قبوله في حال أحسن الاختيار، بيد أن مَنْ لم يتقدموا للامتحان وعددهم 43 ألفا ونجحوا بالتجريبي مع الذين أخفقوا وعددهم حوالي 53 ألف طالب هم في مهب الريح!  فمصير الناجحين بالامتحان القبول بالجامعة العامة أو الخاصة –بغض النظر عن ضبابية معدلات الحد الأدنى للقبول- وربما في تخصصات غير مقبولة لسوق العمل، بيد أن مصير المخفقين في الشوارع أو لقمة سائغة للمتربصين بهذا الوطن والسبب أن البنى التحتية لاستيعابهم في التعليم المهني أو التقني غير مُهيّئة، وحتى الجامعات الخاصة لن يُقبل بها الكثير وفق أعداد الناجحين. أعداد الراسبين في امتحان الثانوية العامة يشكلون خطراً كبيراً على الأمن الوطني الأردني وخصوصاً الأمن الاجتماعي! وهنالك طروحات عدة لاعادة تأهيل جزء كبير منهم سنوياً للتخلص من العمالة الوافدة وبالتكاملية مع مختلف الجهات، وهذا بالطبع يحتاج عمل كبير في محاور ثقافة العيب والتعليم المهني والتقني وجهود القطاع الخاص والتشاركية معه وغير ذلك، وآراء أخرى لانخراطهم في تدريب مبرمج من خلال القوات المسلحة لحاجات سوق العمل الحقيقية خوفاً من ضياعهم في الشارع أو استغلالهم لا سمح الله من قبل الدواعش وزبانيتهم من خلال شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي!.  بعد نجاح وزارة التربية والتعليم الى حد ما في ضبط امتحان الثانوية العامة ومدخلاته الرئيسة، نحتاج لنرى على الأرض شيئاً جديداً في اطار تصويب وتطوير العمليات التي تتم على المدخلات ، واستغلال المؤتمر الوطني للتعليم والذي نجزم أننا لا نملك ترف الوقت من خلالة لنرى النور في تعليمنا العام من خلال نسب نجاح ومخرجات واقعية وتجويد للعملية التعليمية برمتها كنتيجة لتوسيع ادراك وابداع الطلبة لا لسهولة الأسئلة أو صعوبتها! كما أنني أشدد هنا على أننا ما زلنا لا نملك نظرة واقعية أو استراتيجية للآن للتعامل مع المخفقين في امتحان الثانوية العامة لغايات استيعابهم وتوجيههم، وللأسف التنسيق ضعيف بين وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والتعليم لهذه الغاية، والمطلوب التنسيق والتشاركية في كل السياسات والاستراتيجيات وليس فقط حال ظهور نتائج الثانوية العامة أو وقت القبولات الجامعية. بصراحة ربما نجحت وزارة التربية والتعليم في ضبط امتحان الثانوية العامة الى حدّ ما وتشكر على ذلك، لكن النتائج ونسب النجاح تشير لضرورة تجويد التعليم ومخرجاتة تراكمياً بدءاً من الروضة ومروراً بالصف الأول وحتى التوجيهي وليس العكس، ولذلك نحتاج لجديّة أكثر وواقعية لتوجيه الشباب للتعليم المهني في مرحلة التعليم العام وللتعليم التقني في مرحلة التعليم العالي لتتواءم مخرجاتنا التعليمية مع سوق العمل، ولنسهم في اعادة هرمنا التعليمي المقلوب للوضع الصحيح، فنتائج التوجيهي واقعية لكنها كارثة تربوية حقيقية كشفت تدني مستوى الطلبة التعليمي والحاجة الماسة لتوجيه التعليم لمواءمة سوق العمل، والحكومة مدعوة بسرعة لانجاز هذه المهمّة. * وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق