ما معنى قول النسور: ''لا يوجد لدينا سجناء رأي''؟

اخبار البلد- وائل البتيري 
 

في لقائه إعلاميين أردنيين عاملين في الخارج، أول أمس الخميس، قال رئيس الوزراء عبدالله النسور، إن "الأردن لا يوجد لديه سجناء رأي".

ولكن معاليه لم يعرّف لنا كلمة "رأي"، ففي عالم الساسة العرب؛ تحتاج إلى مترجم مخضرم ليوقفك على معاني كل كلمة يتفوّه بها أحد المسؤولين.

ولو رجعنا إلى "المعجم الوسيط"؛ لوجدنا أن معنى كلمة "الرأي" هو الاعتقاد، وبعض المعاجم المعاصرة تعرّف سجين الرأي بأنه "من يُسجن بسبب اختلافه في الرأي مع النظام الحاكم".

ولكنني حتى اللحظة لا أعرف ما معنى "سجين الرأي" في عرف الحكومات العربية، فمن يختلف في الرأي مع النظام الحاكم؛ تعدّه هذه الحكومات - إنْ شاءت، ومتى شاءت - مجرماً، أو إرهابياً، ولكي تتمكن من نفي وجود معتقلي رأي في سجونها؛ فإنها تشرّع قوانين الإرهاب والجرائم الإلكترونية.. وغيرها مما يصلح أن يدخل تحت مظلته كل من يختلف في رأيه مع النظام الحاكم.

فمرة تسجن مخالفها في الرأي بتهمة "إطالة اللسان"، ومرة بتهمة "العمل على تقويض نظام الحكم"، ومرة ثالثة بتهمة "التحريض على مناهضة النظام"، ورابعة بتهمة "القيام بأعمال من شأنها تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة" - كما حدث مع نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد المسجون حالياً في سجن "ماركا" -.. وهكذا حتى لا يجرؤ أحدٌ على إبداء رأيٍ مخالف للنظام.

ولعل آخر سجناء الرأي - في نظري ونظركم - الدكتور الصيدلاني إياد قنيبي، الذي كتب مقالة تحت عنوان "الأردن والإسراع إلى الهاوية"، انتقد فيها ممارسات رسمية وغير رسمية؛ يرى فيها مخالفة صريحة للقرآن الكريم، وسنة النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم.. فعدّد هذه الممارسات، وحذر "أهل الأردن" من عواقبها وعواقب السكوت عنها، مذكراً إياهم بقوله تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمرناها تدميراً".

ولكن هذه الانتقادات لم ترُق للدولة، أو لجهاز من أجهزتها، فكان مصير صاحبنا السجن الانفرادي، وكأن من وضعه وحيداً بين جدران أربع؛ يريد أن يقول له: مثلك لا يستحق أن يخاطب "أهل الأردن".. مثلك لا ينبغي أن يكون فرداً من أفراد هذا الشعب الساكت عن هذه الممارسات.. فإما أن تسكت مثله، وإما أن تفارقه لتقبع بين هذه الجدران وحدك!!

ولا تقل: "أتسجنون أردنياً لأنه أبدى رأيه؟!"؛ فلقد فصّلنا لك تهمة تُخرج مقالتك عن كونها رأياً من الآراء، لتؤول جريمة في عُرف القانون وبنصّه.. وليس صعباً علينا أن نفعل الأمر ذاته مع غيرك متى شئنا ذلك! فآراء كل المعارضين منشورة على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها يَصلح أن يشمله نص من نصوص قوانين الجرائم.

وبهذا؛ يستطيع رئيس الوزراء القول بكل أريحية: "لا يوجد لدينا سجناء رأي"؛ لأن "الرأي" في قاموسه؛ مختلفٌ عن "الرأي" في قواميس ابن منظور وابن فارس والفيروزآبادي.. ومن لف لفهم.