أين ذهبت تحويلاتهم؟

هناك تحويلات سنوية بحجم يقارب أربعة مليارات دولار، يرسلها أردنيون من دول الاغتراب إلى بلادهم؛ فما الذي جناه الاقتصاد من هذه الأموال على مر السنين؟ هل نجحنا بالفعل في جذب هذه السيولة الكبيرة لمصلحة تأسيس روافع متينة في قطاعات الأعمال والصناعات والخدمات والسياحة وغيرها؟ وثمة ما هو أهم من الأموال: لماذا لم ننقل تجاربهم الناجحة لتزويد الاقتصاد بوصفات نجاح أحوج ما يكون إليها؟
هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن ونحن نرقب مؤتمرات واجتماعات تستنجد بالمغتربين في هذا الظرف الاقتصادي الحالك الذي تمر فيه البلاد. وبدل جولات العلاقات العامة التي احترفتها الحكومات في العقدين الأخيرين، فإن الإجابة عن الأسئلة السابقة ستقودنا إلى اعتراف ضروري يمهد لإعادة النظر والتفكير بأموال المغتربين وتحويلاتهم، تحت عنوان "البحث عن جدوى لتجاوز ضياع الفرص".
هذه التحويلات على ضرورتها ودورها التقليدي في جلب العملة الصعبة وتعزيز السيولة على امتداد عقود، إلا أنها اليوم تتقارب مع طريقة إدارة الأفراد والعائلات والمجتمع والحكومات للأموال والإيرادات، ضمن أوجه إنفاق غير إنتاجية. والحال هذه، فإن الجانب الأكبر من تحويلات المغتربين يسهم في إعادة إنتاج التشوه الاستهلاكي في الداخل بتمويل من أموال الخارج. ولذلك، تجد معدل الإعالة في الأردن مرتفعا نسبيا.
علاوة على تعزيز أنماط سلبية من الحياة الاقتصادية، عبر انتظار أموال تتدفق من خارج الحدود، فإن الوفرة التي تظهر من وقت لآخر في جيوب بعض الأردنيين، مصدرها هذه التحويلات التي يعاد ضخها في الأسواق بأشكال لا تسمح بتأسيس قواعد صناعية صلبة، مبنية على خبرة هؤلاء المغتربين في المدن والدول التي عملوا فيها، واكتسبوا منها خبرات استثنائية تستحق أن تنقل، لكن شيئا من هذا لا يحدث للأسف. وأستذكر هنا دراسة لغرفة تجارة عمان، ذهبت إلى أن مدخرات وتحويلات المغتربين لم توظف في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، مثل الصناعة والزراعة والتصدير. وانتقدت الدراسة أن المسألة برمتها تركت للمغتربين من أجل إدارتها على نحو فردي، وبشكل ارتجالي -من وجهة نظري- في أغلب الأحيان، وفقا لأنماط غير منتجة. بل وكان لضخ بعض أموال المغتربين في سوقي العقار والأسهم ضرر بالغ في تعميق طفرة سعرية لم تصمد طويلا، سرعان ما خبت عقب حالة ركود وخسارات استوطنت في العامين الأخيرين، فلجأ عدد من المغتربين إلى تعزيز مدخراتهم وودائعهم في الجهاز المصرفي. وهو ما عزز بدوره السيولة في هذه البنوك، علاوة على تحقيق أرباح سهلة من دون أي جهد اقتصادي استثنائي للاسهام في إحداث الفرق.
انخرط سفراء أردنيون الأسبوع الماضي، بالبحر الميت، في حديث فضفاض إلى وسائل الإعلام والصحافة عن إحصاءات وأعداد الجاليات في الدول التي يمثلون المملكة فيها. فيما غاب سؤال القيمة المضافة بخصوص أموال المغتربين والفرص الضائعة، وحلّت مكانه جولة أخرى من جولات العلاقات العامة غير المنتجة.