مريم البياتي

أخبار البلد -  سامر خير احمد
خير ما فعلته وزارة التربية والتعليم، أنها لم تعلن اسماً للمرتبة الأولى من الطلبة الأردنيين، وآخر للمرتبة الأولى من الطلبة العرب المقيمين، في نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة "التوجيهي"، كما طالبها بعض الناس، في ردة فعلهم غير المتوازنة على ظفر طالبة عراقية مقيمة في عمّان، بالمركز الأول في الامتحان الأردني! أحسنت الوزارة لأنها قامت بواجبها فأعلنت نتائج الامتحان، بمعناه التعليمي، من دون الدخول في تفاصيل سياسية للمتقدمين للامتحان!
لكن الطالبة مريم البياتي، الحاصلة على هذه المرتبة الأولى بمعدل
99 %، لن تدرس في جامعاتنا ضمن نظام "القبول الموحد" المخصص للأردنيين، وإنما على أساس بند آخر في نظامنا التعليمي هو "أبناء العاملين في الجامعات"، إذ ستدرس الطب في الجامعة الهاشمية، بحسب ما قال والدها عبدالكريم صادق البياتي، الذي يدرّس في الجامعة نفسها. وليس ثمة ما يضاف هنا على ما قاله والد الطالبة، من أن ذلك يؤكد على عدالة النظام التعليمي الأردني، سوى أن حرمان الطالبة من دراسة ما تريد في الأردن، بحجة كونها غير أردنية، كان سيهدد مصداقيتنا شعباً ودولة، ونحن الذين لا نعرّف أنفسنا إلا عرباً، نحمل همّ الأمة ونختلف على قضاياها أكثر مما نختلف على قضايانا.
السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو لم يكن والد البياتي مدرّساً في إحدى الجامعات الرسمية الأردنية؟ أحسب أن ثمة مخرجاً ما كان سيجري التوصل إليه، بل ربما يكون من الأفضل أن يجري التوصل إليه حتى لو كان ممكناً للبياتي الدراسة بفضل المقعد المتاح لأبيها. سيكون أكثر تكريماً للبياتي، وأكثر تعبيراً عن عدالة نظامنا التعليمي، أن يتاح لها الدراسة ضمن "القبول الموحد"، هذا رغم معرفتنا أن نظامنا التعليمي يحتاج مراجعات معمّقة، لأنه ينتمي لزمن فات وانقضى، فضلاً عن كونه مسببا رئيسا من مسببات العنف في جامعاتنا، لكن تلك قضية أخرى.
كما أن استكمال البياتي تعليمها في الأردن، مع غيرها من الطلبة العرب المتفوقين المقيمين في بلدنا، جنباً إلى جنب مع الطلبة الأردنيين المتفوقين والمتميزين الذين تزخر بهم مقاعد الجامعات الأردنية، سيشكل إضافة مهمة لنوعية خريجي جامعاتنا، ومن ثم لسمعتها التي نتفق على ضرورة السعي لصيانتها، والتقدم بها إلى حال أفضل، كالتي عُرفت عنها في العقود الماضية.
هكذا، لم يحدث شيء غير متوقع في الأردن تجاه هذا الموضوع: قليل من الكلام حول تصدّر طالبة غير أردنية، للمرة الأولى، امتحان "التوجيهي" الأردني، تبدّد سريعاً وسط ثقافة وطنية لا تجد حرجاً في مثل ذلك، بخاصة تجاه العرب المقيمين في الأردن نتيجة ظروفهم الوطنية، وبخاصة أكثر تجاه العراقيين منهم.
لكن شيئاً من غير المتوقع حصل بين العراقيين، على ما تبدّى في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى ما ذكر أصدقاء متابعون للمسألة؛ إذ توافق عراقيون مختلفون طائفياً، على الاحتفاء بإنجاز مريم البياتي. وفي هذا تأكيد على أن الصراع الطائفي أساسه الجهل، والاجتماع الوطني أساسه العلم، وأن الشعوب والأمم والأوطان، إنما تبنى وتتقدم وتزدهر بالمعرفة وتوظيف طاقات كل أبنائها. هكذا، لم يكن ممكناً لإنجاز علمي مرموق، كالذي أحرزته البياتي، أن يفرّق سنة وشيعة، أفلا يدعو ذلك أمتنا المتناحرة طائفياً وقبلياً، لأن تدع هذا الهراء جانباً، وتلتفت إلى ما لا تختلف عليه من حبّ أوطانها، ومفاتيح بنائها؟! أظنه يدعوها، وأظنها لا تستجيب!
عليّ أن أشير أخيراً إلى أن أصدقاء محترمين هاتفوني مطالبين بالكتابة في هذا الموضوع، لتبنيهم قضية استكمال الطالبة مريم البياتي دراستها في الأردن، واستبصارهم أبعاد ومعاني هذه المسألة. الحمد لله أن ما ورد هنا ليس رأي كاتب المقال وحده.