لن أضع يدي على قلبي..!


 

منذ سنوات وانا أتابع حركة المقاطعة ولمن لم يعرف بعد فان اسمها الكامل هو (BDS (Boycott, Divestment and Sanctions أي الدعوة أولا لمقاطعة المنتجات الاسرائيلية المصنوعة او المزروعة في المستوطنات غير الشرعية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وثانياً لسحب استثمارات الحكومات والمؤسسات وصناديق التقاعد والتأمين من اي شركة لها اسهام في بناء تلك المستوطنات أو في صناعات جيش الاحتلال الاسرائيلي وثالثا لايقاع العقوبات في حالة اي مخالفة لذلك وللقوانين والمواثيق الدولية.
أتابع هذه الحركة وهي تحقق في زمن قياسي منذ تأسيسها في 9/7/2005 انتشاراً واسعا وتأييداً متزايداً حول العالم على اصعدة مختلفة كان من ابرزها في البداية اتحادات النقابات العمالية التي اجبرت شركات عالمية كبرى على التوقف عن مشاريعها التجارية والصناعية في اسرائيل (كاتربيلر وفيولا واورانج كأمثلة)، ثم انضمام اعضاء ومناصرين كثر من جنسيات مختلفة وبينهم يهود مرمِوقون من مستويات ثقافية وسياسية رفيعة في دول غربية عديدة واسرائيليون أبت ضمائرهم السكوت على فداحة الظلم الذي تمارسه اسرائيل على الفلسطينيين ولم يأبهوا لوصفهم بكارهي الذات ! وعلى آخر صعيد كان هذا التعاطف النبيل من عدد كبير من الكنائس العالمية التي كانت من قبل تتردد خوفاً من اتهامها باللاسامية وبأنها تبارك العنف والارهاب!
وكنت قد تابعت كل الوقت نمو التفهم العلمي والانساني الرصين للحركة في الاوساط الاكاديمية والذي أثمر مواقف حازمة من قبل اتحادات الاساتذة والطلاب في كثير من امهات الجامعات الاميركية والاوروبية ضد الجامعات الاسرائيلية التي تغض الطرف عن القمع الاسرائيلي لا بل يتعاون بعضها معه..
وتابعت الحركة وهي تفضح الاخلاقيات المزعومة للجيش الاسرائيلي الذي يجثم على صدر الشعب الفلسطيني في اطول احتلال عرفه التاريخ وتعرّي كذلك نظام الابارتهايد البشع الذي تمارسه اسرائيل على الفلسطينيين ما أحرج كبريات صناديق التقاعد والضمان في دول اوروبية عديدة وجعلها تعيد النظر في استثماراتها (وهي بالمليارات) في المشاريع الاسرائيلية وان تقرر سحبها منها...
واتابع منذ وقت ردود فعل الحكومة الاسرائيلية على نشاط المقاطعة حيث بدأت بالاهمال المتعمد ثم التقليل من اهميتها والاستخفاف بتأثيرها الى ان وصلت مؤخرا الى حالة من القلق اضطرت معه لتشكيل هيئة مشتركة من عدة وزارات، على رأسها الخارجية، لدراسة الأمر والتصدي لتداعياته ورصدت لذلك مبلغاً كبيرا من المال لانفاقه على استمالة اجهزة الاعلام العالمية كي ترد على جهود المقاطعة في محاولة لتفنيدها باختراع شتى الاكاذيب الدعائية، وعلى تكليف مكاتب ومؤسسات قانونية كبيرة في عواصم الكثير من الدول باستغلال بعض الثغرات في القوانين المحلية او الدولية للطعن في صحة نشاطات المقاطعة وشرعيتها، في محاولة لافزاعها وإنهاكها وحرفها عن اهدافها..
اتابع كل ذلك واتابع معه موقف القائمين على المقاطعة وأشهد مدى تواضعهم وانكارهم لذواتهم في هذه المعركة الضروس التي تستهلك جهدهم ووقتهم فلا يتذمرون ولا يمدون ايديهم متسولين للمال مع انهم بحاجة اليه كما أتابع انتصاراتهم وما فيها احيانا من زهو وفخر دون ان يسكرهم الكبرْ او يعميهم الغرور او يغريهم بالاسترخاء والتقاعس، واتابع في نفس الوقت ما يواجههم من مصاعب لم تفلح حتى الآن في أن تفت في عضدهم، وما يحاك لهم من مكائد ومصائد فشلت فلم تشق لهم صفاً..
وبعد.. قد يسأل سائل: ما الذي يجعلك هكذا واثقاً بهذه الحركة، مطمئنا لطهر مسيرتها متفائلا بنجاحها حتى على المدى البعيد وغير خائف عليها وانت العارف بما للعدو الاسرائيلي وحلفائه واعوانه من قدرات مالية هائلة وخبرات فنية مدججة بالحيلة والدهاء سوف يستخدمونها بلا ريب ضدها وقد ينفذون الى داخلها لتخريبها ؟! وجوابي بكل بساطة ان ايماني بهذه الحركة وبيقظتها وحذرها وعدم حاجتها للنصح والارشاد (!) ليس نوعاً من السذاجة الفكرية أو الاستسلام لاحلام اليقظة وليس مبنياً على معلومات تتلوّن بالوان مصادرها أو على تحليلات ودراسات ازعم أني اطلعت عليها من مراجع لم يطلع عليها سواي، بل مبني على خبرات وقناعات تراكمت عبر عقود عديدة من التعامل والتفاعل مع نشاطات ونضالات مختلفة، منها ما خاب ومنها ما ظفر !
لذلك كله، وفي عيدها العاشر لست خائفاً على المقاطعة ولن أضع يدي على قلبي..