أي كرامة لفنانين في وطنهم؟!

ما دام لا شيء يتغير، فسنعود إذن لنردد الأسئلة ذاتها..
هل الفنان الأردني آخر أولويات الدولة؟! هل قدره أن يبقى مهمشا مظلوما، ومسلوب الحقوق؟! هل هناك قرار، مع سابق إصرار وترصد، بمحاربته والحط من عزيمته ومعنوياته، وليكون فعلا "لا كرامة لنبي في وطنه"؟!
تلك الأسئلة لم تأت من فراغ. وأحدث أمثلته التهميش الواضح لعدد من فناني الأردن المميزين في ليلة افتتاح مهرجان جرش، وهم الذين جاؤوا وكلهم حماس وفرح لتقديم مغناة "هذا الحمى"، معلنين انطلاق دورة هذا العام من المهرجان الذي يشكل منارة ثقافية وعلامة فارقة.
لكن قبل اعتلائهم المسرح، تعرضوا لموقف يظهر استخفافاً بهم، وفق أفضل الأوصاف؛ إذ لم يسمح لهم بالتنقل بالباص الذي رافقهم إلى المكان المخصص للحفل. ما اضطرهم إلى السير على الأقدام، وهم يرتدون الملابس الخاصة بالحفل، وفي أجواء حارة وعبر طريق مهملة غير صالحة للاستخدام، من المدرج الجنوبي إلى مكان الاحتفال.
نتيجة كل ذلك، كان سقوط الفنانة ليندا حجازي وتعرضها لكسر في القدم، وحالة إغماء للفنانين سليمان عبود وغادة عباسي، وتعب وإرهاق ومضايقات تعرض لها بقية الفنانين المشاركين. لكنهم رغم ذلك أصروا على تقديم المغناة بكل احتراف وتميز، ليتم بعد انتهاء الحفل نقل الفنانة ليندا حجازي بسيارة الدفاع المدني إلى المستشفى لتلقي العلاج.
سبب هذا الإخفاق والإهمال هو سوء التنظيم الذي تتحمل مسؤوليته إدارة المهرجان ونقابة الفنانين؛ وكذلك التشديدات الأمنية من قبل حرس رئيس الوزراء د. عبدالله النسور. وقد شكا الفنانون أثناء قيام الرئيس بالسلام عليهم عقب أداء المغناة، تصرف حرسه، وشرحوا ما تعرضوا له من سوء معاملة، تنم عن عدم تقدير للفنان الأردني.
لنقلب تفاصيل الحكاية؛ فهل تتم معاملة الفنان العربي الذي جاء لإحياء حفلة في المهرجان، بالطريقة ذاتها التي لقيها فنانونا؟ الإجابة معروفة سلفا. فالفنان العربي يحظى بأعلى درجة من التنظيم والتجهيز، منذ لحظة استقباله وحتى دخوله المسرح، ثم مغادرته إلى مكان إقامته. أفلا يستحق الفنان الأردني ولو جزءا من هذا الاهتمام والاحتفاء اللذين تفرضهما سمعة الأردن والمهرجان، قبل أي سبب آخر؟! لاسيما وأن فنانينا كانوا وما يزالون يحاولون، رغم الإمكانات البسيطة، شق طريقهم بأنفسهم، مصرين على إثبات مواهبهم وقدراتهم التي تحسب للوطن ككل كما تحسب لكل فنان منهم. وهنا تحديداً يتبدّى ظلم آخر، ربما يكون أكبر، من خلال المبالغ المالية الزهيدة التي تدفع للفنان الأردني، والتي لا تكاد تساوي شيئا مقارنة بالمبالغ الطائلة التي تدفع للفنانين العرب!
ندرك أن إدارة مهرجان جرش حاولت، هذا العام خصوصاً، إعطاء الفنان الأردني فرصة الظهور أمام الجمهور العربي كما المحلي، لكن ذلك لا يكفي. فحين تتم استضافته، يكون مستحقاً لاستقبال يليق به، وبأجر يستحقه، وبمعاملة طيبة تدفعه لإنتاجات فنية راقية مستقبلا، تليق به وبالأردن.
كانت فرحتنا كبيرة بحفل الفنان عمر العبداللات الذي كان ناجحا بجميع المقاييس؛ إذ تألق في افتتاح المهرجان، بحضور جماهيري محلي وعربي كبير ملأ المدرجات، كما يليق بصوت الأردن الذي لا يقل نجومية وشهرة عن الفنانين العرب، بل يزيد في ذلك على كثيرين. لكن تلك الفرحة لم تكتمل حينما تمت معاملة زملائه الفنانين بتلك الطريقة "المسيئة"، التي لا تليق بأصواتهم، ووفائهم، ولا تليق بنا جميعاً، قبل ذلك، كأردنيين.
نتمنى أن تدرك الجهات المعنية أن احتضان الفن ورعاية الإبداع، هما من الأسس الراسخة لتقدم الشعوب، ومرآة تعكس تطور المجتمع ورقيه ووعيه وحضارته.
و"هذا الحمى" مغناة بصوت باقة من الفنانين الأردنيين، تعزز قيم الانتماء والفخر بالوطن والإنسان الأردني.. أفلا يستحق مبدعوها، على كل مستوى، أن يستشعروا هذا الفخر؟!