كُرة الثّلج وكرة النار

من قالوا ذات يوم اشتدي أزمة تنفرجي كانت لديهم ثقافة من طراز آخر، وكان لديهم ايضا منطق يحتكمون اليه في الشدائد، لهذا لم يخطر ببالهم ان الازمات التي يختنق بها احفادهم عندما تشتد تنفجر وليس العكس . فالازمات في غياب الرُّشد السياسي وحين تنقلب المفاهيم وتسقط منظومة القيم تصبح مثل كرات الثلج كلما تدحرجت كبر حجمها، ومن يراهنون على الشمس التي تذيبها لا يدركون ان كرات النار تكبر ايضا وتأتي على كل ما يعترض طريقها سواء أكان اخضر أم يابسا ! حتى الامس القريب كنا نشكو قائلين، إننا نصحو كلَّ صباح على ما بتنا عليه، لكن ما يحدث الان غير ذلك تماما بحيث يدفعنا الى ان نتحسر على الأمس لأنه كان أرحم .. هذا ما يحدث مثلا في مئوية سايكس- بيكو التي طالما تظاهرنا وكتبنا ضدها ولعنّاها لأنها كانت وراء التشظّي والتذرر الذي أعقب التقسيم في عالمنا العربي، انها الان مطلب قومي بامتياز لأنها على الاقل لا تقسم البلد الواحد او تشطره الى ثلاثة او أربعة دويلات . ولو استعرنا من الطب بعض مصطلحاته؛ فإن سايكس بيكو كانت السّخونة التي عولجت بالكمادات فقط فانتهت الى التهاب السحايا ! كرة ثلج في الشتاء وكرة نار في الصيف، هذه هي الحال التي بلغته أمة بدّدت بسفاهة نادرة أعزّ ما تملك، وهو تكاملها وموقعها وما يزخر به باطن الأرض من ثرواتها . لكن الفارق بين الثورة والثروة في لغتنا يتيح لخطأ املائي او مطبعي واحد ان يحذف الفارق بينهما، فثمة ثورات تحولت الى ثروات، ولم يكن شهاب الدين العربي بأية حال خيرا من أخيه الذي سبقه؛ لهذا افرز الاحباط قنوطا والفقر تسولا، والخصام عداء جذريا . ان ابسط البدهيات قدر تعلقها بالأزمات هي انّ تدارك الأزمة هو من صميم فن ادارتها، تماما كما ان تدارك الجرائم اهم بكثير من ضبط مرتكبيها، لكن هذه الثقافة الوقائية او الاستدراكية ليست من نصيبنا الا قدر تعلّقها بمواعظ مجردة وممنوعة من الصرف !! -