مشاركة تركية بجدول أعمال.. «خاص»!

سَرَقَتْ موافقة اردوغان على فتح القواعد العسكرية التركية أمام طائرات التحالف الدولي لمحاربة الارهاب, الاضواء - ولو في شكل نسبي - من «خطة العمل الشاملة والمشتركة», وهو الاسم الرسمي لما يُعرف الان بـ«اتفاق فيينا» المُوقّع بين مجموعة 5 + 1 وايران في الرابع عشر من تموز الجاري.. الأمر الذي يستدعي -وبالضرورة - التساؤل عن سر هذه الموافقة (اقرأ الاندفاعة) التركية التي لم تكن واردة الا بشروط, ليس أقلها أن يتم استهداف داعش والنظام السوري في آن واحد, اذا ما أُريد لأنقرة أن تكون طرفاً «فاعلاً» في هذه الحرب, فضلاً عن فتحها مجالها الجوي وخصوصاً قواعدها العسكرية وعلى رأسها قاعدة انجرليك الاستراتيجية والقريبة جداً من مسارح العمليات في كل من سوريا والعراق.
التساؤل مشروع, حتى وإن جاءت الموافقة بعد عملية التفجير الانتحاري الذي تم في مدينة سورتش التركية الجنوبية ذات الاغلبية الكردية, وهو «حادث» لم يمر بسهولة في الفضاء التركي واتخذ ابعاداً خطيرة ومُحرِجة في الجدل السياسي والحزبي والإعلامي, المُندلع بقوة في تلك البلاد التي تسير نحو حال من عدم الاستقرار السياسي والحزبي, أشّرت عليها نتائج وتداعيات انتخابات السابع من حزيران الماضي وزادت من حدتها التجاذبات الحادة بين الاحزاب الاربعة الفائزة في تلك الانتخابات, وتلويح الحزب الفائز بالمرتبة الاولى ولكن بغير اغلبية النصف زائد واحد (حزب العدالة والتنمية) بالذهاب الى انتخابات مبكرة, اذا لم يستطع رئيس الحزب المُكلّف داود اوغلو تشكيل حكومة ائتلافية مع احد الحزبين التركيين (الشعب الجمهوري العلماني والحركة القومية اليمينية المتطرفة), بعد أن لم يعد ثمة خيار بمشاركة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بهويته اليسارية الجامعة وليست العرقية الصرفة), بأن يكون جزءاً من أي إئتلاف سواء منفرداً مع العدالة والتنمية أم مع أحد الحزبين الآخريْن.
قد يكون من السذاجة الاعتقاد بأن «مذبحة سورتش» هي التي أملت على اردوغان أن يمنح الضوء الاخضر بفتح القواعد الجوية التركية, واعلان الحرب على داعش, وهي حليفته وذراعه الضاربة في العراق وخصوصاً سوريا, بل هي صنيعة اجهزته الاستخبارية وهي التي حظيت (حتى اكثر من جماعة الاخوان المسلمين السورية واذرعتها العسكرية المختلفة, سواء في احرار الشام الارهابية أم حركة حزم قبلها, أم تشكيلاتها في الجيش الحر وجيش الفتح وغيرها من المنظمات والجماعات الارهابية الاخرى), ناهيك عما يمكن لهذا الانخراط التركي المباشر في الشأن السوري (حتى لو حمل يافطة الحرب على الارهاب) أن يَخْلقه من مشكلات سياسية واحتقانات اقليمية, اذا ما تحولت هذه المشاركة التركية الى مشروع سياسي أو استدراك لِخِطة (اقرأ اوهام) تُركية, تلحظ في الاساس اقامة منطقة عازلة في الشمال السوري, وجاءت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاوويش اوغلو يوم امس السبت, لتُزيل القناع عن المخطط التركي الذي لم يتم اسقاطه عن جدول اعمال رجب طيب اردوغان منذ اربع سنوات ونيّف, وإن كانت الاوضاع الميدانية والمناخات الاقليمية قد فرضت عليه إرجاءه أو وضعه في الانتظار.
قال اوغلو: «...إن الاراضي التي تم تطهيرها من مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في شمال سوريا, ستُصبح منطقة آمنة - مضيفاً - أيّدنا دائماً وجود مناطق آمنة ومناطق حظر طيران في سوريا.. الاشخاص الذين نزحوا, يُمكنهم الانتقال لتلك الاماكن الآمنة» ختم رئيس الدبلوماسية التركية.
هنا والان... تتكشف أبعاد الموافقة التركية, والتي جاءت خصوصاً بعد اتفاق فيينا, ولم تكن مذبحة سورتش سوى ذريعة او فرصة للدخول الى مسرح الازمات التي تعصف بالمنطقة من باب داعش (عزيز اردوغان وحقان فيدان رئيس استخباراته), ومحاولة لفرض قواعد جديدة للعبة قديمة, يبدو انها استنفدت اغراضها (أو كادت) بعد ان بدأ نجم اردوغان وحزبه في الأفول.
من هنا جاءت تسمية العملية التي بدأتها انقرة ضد داعش تحت اسم (يالجين نان) وهو اسم «أول» ضابط صف تركي يسقط في المواجهة مع داعش, لتؤسس لانخراط تركي مكثف في الشأن السوري بل والعراقي, اذ شن سلاح الجو التركي هجمات مكثفة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي PKK في جبال قنديل بإقليم كردستان العراق, ما يفسح في المجال لمحاولة ازالة الغموض الذي فرض نفسه على «حماسة» اردوغان لحرب كهذه.. ربما تكون مقدمة لانتخابات برلمانية مبكرة, تُغيّر من موقع حزبه الخاسر وترفعه الى مرتبة فائز ينفرد بتشكيل حكومة جديدة لاحقاً, او ان هذه بعض بنود صفقة (ما تزال سرية) وقعها اردوغان مع اوباما حيث الايام القريبة ستكشف بعضاً منها حتى لو قيل لنا ان دخول تركيا المجال الجوي السوري جرى بتنسيق مع دمشق عبر وسيط ثالث, دون اهمال رد فعل حزب العمال الكردستاني الذي قال أحد قيادييه في شكل لافت: ان الهدنة مع تركيا.. لم يعد لها معنى.