غسيل الأموال

كنت لا أريد أن أكتب شيئاً عن هذا الموضوع، ولكن - مر عشرون سنة أو أكثر عليه جعلتني أتذكره فجأة - وجال في خاطري عدة أيام وأنا متردد في الكتابة عنه، ولكنني قررت أخيراً الكتابة.
قبل حوالي عشرين سنة أو أكثر كنت في مكتبي للمحاماة فجأتني موكلة قديمة كانت قد وكلتني في دعوى لاسترداد أموال لها وضعتها عند أحدهم للمتاجرة بها فادعى أنها خسرت ولم يعطها شيئاً.. وقد ربحنا الدعوى وحصلت لها تلك الأموال.. وهي فتاة شقراء طويلة وجميلة ومتزوجة ولديها أولاد.. وعندما جاءتني للمرة الثانية قالت إنها تريد مصلحتي لأنني قد فعلت معها معروفاً وتريد أن تكافأني، فقلت لها ما الأمر: فقالت هناك جهة تريد أن تضع في حسابك 3 ملايين دولار، وهي دولارات حقيقية ولا غبار عليها وأن تظل هذه الدولارات في حسابك مدة شهرين.. وبعد ذلك تسحب لنا من البنك مليوني دولار نأخذها نحن ويظل المليون الثالث لك، فما رأيك؟
فقلت لها: ما مصدر هذه الأموال.. فقالت هذا ليس من شأنك -فعليك أن تقبل أو ترفض- وقلت لها فوراً -طبعاً إنني سأرفض.. فأنا رجل وطني وحزبي ومستقيم ومحام معروف وأشغل أمين سر نقابة المحامين وأتمتع بثقة الناس ولا يمكن أن أضحي بهذه الثقة مقابل كل الدولارات التي طبعت في العالم.
فقالت أنت حر وإذا أردت أن تغير رأيك.. فهذا هاتفي واتصل بي خلال اسبوع.. فقلت لها سأخذ هاتفك لأنني قد اتصل بك لشيء آخر.. أما بالنسبة لهذا الموضوع فاعتبريه نهائياً.. قالت كما تريد.
وذهبت وطبعاً لم اتصل بها.
وانتهى الأمر نهائياً.
وقد رويت هذه القصة لبعض الأصدقاء من أصحاب الطموح والطمع -فلاموني- وقالوا أعطنا عنوان هذه المرأة ونحن سنقبل أن نقوم بهذه المهمة.. ونقبض المبلغ وسنقيم لك حفل غذاء أو عشاء كما تريد إذا تم الأمر.
وأعطيتهم رقم الهاتف للفتاة فاتصلوا بها.. ولكنها رفضت الرد عليهم رغم إلحاحهم والاتصال بها عدة مرات.
وكان ذلك من باب الحذر؛ لأن الكثير من المسؤولين التابعين للأجهزة الأمنية يتصلون من تلفونات خاصة بمن يشتبهون به من المتعاملين بغسيل الأموال.
ولذلك فإنها كانت لا ترد على أحد ولكنها هي تتصل بهاتف من تأمن أنه ليس من أي جهاز أمني.
والخلاصة أن المال يغري الكثيرين.. وهناك العديد من أصحاب المبادئ والأفكار.. ومن الوطنيين الذين كان لهم مكان بين الشخصيات الوطنية انحرفوا فيما بعد وتعاونوا مع جهات أمنية أو خارجة على القانون وتعمل بغسيل الأموال أو التهريب وقبض على بعضهم ونفذ بعضهم وأصبحوا أثرياء، ولكن أولادهم أضاعوا الثروة في غالب الأحيان.