غَضبة الدستور ووجع الجمهور

ببساطة , يمكن تعميم منسوب الغضب الصادر عن بيان هيئة تحرير الدستور الصحيفة , على معظم تكوينات واطياف المجتمع الاردني , ليس بحكم انتمائهم للدستور الصحيفة ولكن بحكم دلالة وحجم ادارة ظهر الحكومات المتعاقبة لاوجاع الناس الصادقة التي كانت الدستور منبرهم الاول لتفريغه وايصاله الى اصحاب الامر ويمكن رصد الاف الامثلة على ذلك . بيان هيئة التحرير كشف عن منسوب الخلل في الذهن الرسمي للذاكرة الوطنية , بل يصل الامر الى ما هو اخطر من ذلك , هو محاولة لشطب الذاكرة الوطنية بمجملها وفتح صفحة جديدة قابلة للطي والثني والشطب , فالزمان الاردني بات جملة معترضة يصنعها كل فهلوي يحظى بموقع رسمي , ويبدا التاريخ من لحظة اعتلائه سرج المنصب الذي تحول الى مَطيّة يعتليها كل محدود الكفاءة و كل راغب بتفريغ شحناته السلبية , والتأسيس لظاهرة الزمان المطوي حتى لا يتحول الزمان الى تاريخ يبني الشخصية الاردنية ويمنحها قوة على قوتها , ومن يراجع شكل الاحتفاء بالمناسبات والتواريخ الوطنية سيكتشف حجم الوجع القابع في الصدور من مستوى الخِفة السياسية التي يتم التعاطي بها مع الاحداث والتواريخ. ثمة شخوص يجلسون في مواقع المسؤولية يحملون حقدا دفينا على الوطن وذاكرته وتاريخه , ويسعون الى شطب كل ما سبق , فالتاريخ يبدأ من من لحظتهم التي جاءت على غفلة من الاردنيين , ونجحوا في تكوين غلاف بلاستيكي بين المواطن والدولة , فما يريده المواطن لا يَنفذ الى صانع القرار وما يريده الوطن حقيقة يبقى حبيس الغلاف البلاستيكي الذي لا يسمح بالنفاد , وتعاملت تلك الفئة بعقلية الانتقام والثأر من الاردنيين الذين خاضوا اخضر ربيع عربي عرفته المنطقة مؤمنين بالاصلاح تحت العرش الهاشمي طارحين اصلاح النظام , الذي عرّفه الملك في احتفالية عيد الاضحى الشهيرة , بمعناه الواسع والمكون من الجميع افرادا ومؤسسات قوانين وتطبيقات . وكان اول الاصلاح محاربة الفساد وإعادة الاعتبار والهيبة للوظيفة العامة والولاية العامة وهذه مواصفات تعني ببساطة خروجهم من مواقعهم , فمارسوا سياسة الحجب عن صانع القرار واغلقوا النوافذ والابواب بحجج تكشف مدى العَوار في فهمهم لطبيعة النظام الاردني المبني على الشرعية والبيعة وليس الدستورية الاوروربية , لأن الملك يسود في الاردن بمعنى انه يملك ويحكم وهذا اول الفقه الاردني , وبتنا نسمع عبارات وجُمل استفزازية تُطالب بعدم اللجوء الى الملك وعدم الشكوى او اللجوء واللوذ بالمقر الذي حولوه الى مكاتب وظيفية وليس دورا وحضورا , ومفردتا المقر وسيدنا انتجتهما العقلية الاردنية بوعي فطري وفهم غرائزي للعلاقة مع الملك , وهذه شيفرة لا يفهمها كثير من الحاشية وكثير من المسؤولين . بصبر المؤمنين اجتاز الزملاء في الدستور الاشهر العجاف , شانهم شأن الاردنيين , حافظوا على بيتهم ودستورهم كما حافظ الاردنيون على البيت الكبير ودستوره , وكان بعض المسؤولين الرسمييين ينظرون بشماتة الى هذا الصبر وربما بوعيد قادم , وأشك ان احدهم يعرف معنى واسط البيت وحق اللجوء له والاستناد عليه لاصلاح ما اقترفته ايديهم , فهو الحصن المانع والبيت الجامع , الى ان جاءت لحظة الحقيقة الصعبة التي اختزلتها مفردات بيان هيئة التحرير وربما أخذتها عن رؤوس السنة الاردنيين , بأن الكَيل قد طفح وان العبث وصل الى الثوابت الوطنية والشخصية . الاردن رأى الكثير وعرف الكثير وذاكرته تحفظ اكثر , وكلها مغروسة في الشخصية الاردنية التي أنجت الوطن من كل عواصف الاقليم وطوت شخوصا ومشاريع , وستطوي كل من يسعى الى بناء حواجز بين الدولة والمواطن وبين المقر والناس فهذه الاخطر بالنسبة للاردنيين الذين اعتادوا المقر المشرع وملك لهمومهم يسمع