ضغوط ما بعد العيد

سواء أنفق الأردنيون لمستلزمات العيد واحتياجاته وفرحة الأطفال فيه 80 مليون دولار أو أكثر بقليل، فإن تظاهرة الإنفاق المريرة والشحيحة انتهت بعد انقضاء موسم رمضان والعيد، وسرعان ما سيبرز لأرباب الأسر اليوم حجم الأزمة المالية في بيوتهم، في الوقت الذي جاء فيه الطلب خلال رمضان والعيد ضاغطا على ميزانيات العائلات غير القادرة على الوصول إلى نهاية الشهر من دون تراكم في الديون.
البضائع التي جلبها التجار من كل أنحاء العالم بحثا عن سوق محلية تشهد ركودا لا يمكن إنكاره، تعثرت لأسابيع في الميناء البحري الوحيد للمملكة. لكنها وصلت في نهاية الأمر إلى السوق بأسعار مرتفعة، تبعا لكل الأكلاف التي تحملها التاجر في البداية، وصولا إلى تحميلها للمستهلك الأردني. وقرار الحكومة صرف الرواتب قبل العيد، منح التجار فرصة لالتقاط الأنفاس واسترداد بعض من كلفة السلع ذات الصلة بموسم رمضان والعيد، غير أن هذا القرار تحول إلى أزمة لأرباب الأسر في اليوم الأول بعد العيد، لاسيما أولئك الذين يتقاضون أجورا متدنية ضمن معدل عام  للرواتب يحوم حول 400 دينار شهريا.
والسؤال هنا، ليس جدلياً أو ترفا فكريا، وإنما لملامسة حقيقة الأوضاع المالية على أرض الواقع: كيف يتسنى لعائلة دخلها لا يتجاوز 400 دينار شهريا أن تتخطى مستلزمات رمضان والعيد بهذا الراتب الضئيل؟ عن أي دخل متاح للشراء نتحدث، وعن أي قدرة على التكيف مع هكذا تحديات؟
تتشابه مديونية العائلة الأردنية مع مديونية الدولة؛ فكلتاهما تتضخمان من أجل نفقات جارية وتسديد التزامات خانقة ذات صلة بظروف معيشية راهنة. وفي الحالتين، يتم البحث عن حلول خارجية لإدامة هذه التشوهات المالية. في الحكومة، يتم البحث عن قروض بضمانات دولية. ووفقا لآخر الأرقام، فإن كل طفل وشاب وامرأة وشيخ في البلاد، يتحمل أكثر من 5 آلاف دولار من عبء هذه المديونية التي تجاوزت 30 مليار دولار. أما الأسر، فتبحث عن سلف وأموال المغتربين وحوالاتهم، والتي لولاها لكان الاقتصاد في عسرة ما بعدها عسرة، خاصة أن هذه الحوالات تشكل 12 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة 2.4 مليار دينار العام الماضي. والمؤسف أن هذه الحوالات الكبيرة من نحو مليون مغترب أردني -أربعة أخماسهم يعملون في دول الخليج العربي- تتجه في معظمها للانفاق الاستهلاكي وغير المنتج، علاوة على أنها تكرس واقعا سلبيا في الاعتماد على الخارج.
معدل الإعالة مرتفع في الأردن لأسباب كثيرة، منها اعتماد الداخل على أموال الخارج، إضافة إلى غياب أو تغييب المرأة عن النشاط الاقتصادي وسوق العمل. وعلى الجهة المقابلة، هناك استرخاء عام واستسلام لتدني الرواتب، وتقديس للتوسع في الإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنتاجية وفرص زيادة الدخل. ومع هكذا ملامح اقتصادية، فإن المديونيات ستستمر، ومعها فشل مالي يضيق خناقه على أرباب الأسر الذين يتأهبون لمواجهة موسم أعباء التعليم والرسوم والاستعداد لفصل دراسي جديد.
بعد صرف الرواتب قبل موعدها بأسبوعين، فإن الموظفين على موعد مع عسرة مالية ستستمر لنحو 40 يوما. وهي تشوهات وضغوطات تتكرر كل عام، وفي أشهر محددة، من دون أن يتجاوز الأفراد والدولة مربع الاسترخاء والفشل، بأن يحدثوا فرقا أو تغييرا في عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتناسب في معظمها مع الواقع الاقتصادي المعاش، بانتظار حلول سحرية تأتي من وراء الحدود.