القلم والقطار والمنافق ..ونظرية التوفير!

القلم والقطار والمنافق ..ونظرية التوفير!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور : رشيد عبّاس
أنا من عشاق كيف تسير كثير من الأمور, توقفت يوما عند كل من القلم والقطار والمنافق, توقفتُ من حيث طريقة سير هذه الأشياء, فوجدتُ أن القلم يسير على خط واحد, والقطار يسير على خطين, والمنافق يسير على ثلاثة خطوط, ..هذه الأيام بصراحة عاكف على دراسة أصول نظرية (التوفير) وفلسفتها في شؤون البيت وفي شؤون مؤسسات العمل, عاكف على دراسة هذه النظرية حتى في طريقة حبنا للخالق, وأقول بصراحة ينبغي أن يدرك كل فرد منا أصول نظرية التوفير وفلسفتها كنهج حياة, وكثقافة عامة للفرد وللمجتمع.
اذكر أن معلم اللغة العربية في مدرسة سحاب الابتدائية يوما أجرى لنا اختبارا مدرسيا قاسيا, الامتحان كان قطعة (نص) كان موضوعها على ما اذكر حول (التوفير), المعلم المحترف وقتها وضع تحت بعض كلمات القطعة خط واحد, والبعض الآخر من كلماتها وضع خطين, وكلمة واحدة اذكر أنها كانت(ليس) كان قد وضع تحتها ثلاثة خطوط, كان أسفل القطعة عدة أسئلة منها: أعرب ما تحته خط, استخرج معنى الكلمات التي تحتها خطين, ثم استخدم الكلمة التي تحتها ثلاث خطوط (ليس) في جملة مفيدة.
كنت وقتها وما زلت احترم القلم, كون القلم يسير على خط واحد عند الكتابة, وكنت اشعر بالخوف الشديد من القطار والمنافق, ..القطار يسير على خطين, والمنافق يسير على ثلاثة خطوط, ..كنت أحب الكتابة بقلم الحبر الجاف, والسبب فقط أن القلم الجاف يعطي (توفيرا) أكثر من القلم السائل, وبالفعل أجبت على اختبار معلم اللغة العربية بقلم الحبر الجاف, فقد أجبت على أعرب ما تحته خط, وأجبت على استخرج معنى الكلمات التي تحتها خطين, أجبت باختصار شديد (توفيرا) للطاقة عفوا (توفيرا) للاستهلاك, طبعا على حساب الإجابة.
أما بخصوص السؤال المتعلق باستخدام الكلمة التي تحتها ثلاث خطوط (ليس) في جملة مفيدة, فقد أجبت من خلال تكوين الجملة الآتية: التوفير ليس دائما صحيحا, ..الغريب أن المعلم عند تصحيح هذه الجملة وضع لي علامة صفرا على هذه الإجابة, ..يبدو أن المعلم وقتها لم يقرأ أو على الأقل لم يطّلع على ما يسمى بنظرية التوفير, ..نظرية التوفير يا سادة يا كرام اقترحت مستوى معين أو حد معين للتوفير يسمى حد خط (التوفير), وإذا ما تجاوز التوفير هذا الحد سيكون حتما على حساب أشياء كثيرة منها متطلبات الحياة, أو العيش الكريم, أو أعمال الصيانة, أو تأخير المشتريات الضرورية واللازمة, أو ربما يكون التوفير المبالغ فيه مبررا للمتقاعسين عن العمل بحجة عدم وجود كذا وعدم توفر كذا.
صدقوني أن التوفير المبالغ فيه في مؤسسات العمل بالذات يكون على حساب التغيير والتطور والإصلاح والإبداع المنشود, وبالتالي السير والدخول في باب النفاق الأكبر, ..أنا هنا مازلت مصرا على أصول نظرية التوفير وفلسفنها, وما زلت متمسكا بإجابتي عندما كنت تلميذا صغيرا حين كتبت (التوفير ليس دائما صحيحا), وما زلت أطالب معلم اللغة العربية - إن كان على قيد الحياة – أطالبه أن يعدّل علامتي, فستبقى هذه العلامة في عنقه إلى يوم الدين وإلا فيكون قد تعدى القلم وتعدى القطار في السير, ليسير على ثلاثة خطوط ليدخل على طريق النفاق, وعند ذلك أين يذهب من قوله تعالى(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) صدف الله العظيم, ..وهنا يكمن حد خط التوفير بين اليد المغلولة واليد المبسوطة.