السر.. في «فيينا»

لم يطلع الاعلام والصحافة على النص الكامل للاتفاق النووي الايراني الغربي، فقد تجاوز الاتفاق 100 صفحة، و21 شهرا من المفاوضات وجولة نهائية استمرت أكثر من 17 يوما في فيينا لإغلاق ملف مفتوح منذ 12 عاما.

لكن ما يستطيع المرء استنتاجه بسرعة ان مناخات الاقليم ذاهبة الى الهدوء بعد سنوات من القتل والدمار والفوضى، وان ايران مهما اختلفت في تقويم سياساتها واستراتيجيتها فقد حققت انجازا تاريخيا وانتصارا دبلوماسيا، ونجحت بان تضع لها مقعدا دائما في النادي النووي، وان تجلس بقوة على مقعد ومحور اقليمي مؤثر.

في الاتفاق الايراني الغربي عدة دروس يجب علينا التوقف عندها، حتى لا نبقى كالنعام، ندفن رؤوسنا في الرمال.

اولا، التحول الاضطراري الذي مارسته القيادة الايرانية، اصحاب العمامات، وحكم التقية، والمرشد الاعلى، ليس سوى استجابة للتحولات الظاهرة في المجتمع الايراني، الذي يريد التغيير، وناضل طويلا لتصويب مسارات حياته، والتخلص من اعباء الحكم الديني.

وثانيا، هذا الاتفاق سوف يعود على المجتمع الايراني بفوائد اقتصادية كبيرة، ومئات المليارات من خيرات الشعب الايراني كانت محجوزة لدى الغرب، ويفتح العالم امام ايران اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وسياحيا لحضارة عمرها آلاف السنين.

وثالثا، سوف يبقى النووي اداء للتخويف، ولم يتراجع الايرانيون عنها، لانهم يعرفون ان هذا العالم وقواه المسيطرة، لا تخاف الا من القوة، وبهذه القوة وادوات التخويف سيطرت اسرائيل على المنطقة وتحكمت فيها.

ورابعا، علينا ان نعترف ان كل هذه الحروب المشتعلة في دولنا العربية لن ينتصر فيها احد، بل سوف ينتصر الخراب والدمار والفوضى، وقوى الجهل والتخلف، وسوف نبقى اسرى للتقسيمات الدينية، سنة وشيعة، وطائفية واثنية وعرقية، وسوف نبقى سوقا لافكار جاهلية، سبي ودفع جزية، وهل الحرق حرام ام حلال، وهل الدواعش مسلمون ام غير مسلمين، والعالم من حولنا وفي المحيط، يتقدم ويتجاوز هذه الامراض.

وخامسا، ما دامت اليد الايرانية طائلة في ملفات المنطقة الساخنة، في العراق وسورية ولبنان واليمن، وممتدة في اكثر من معدة عربية، فسوف ينعكس الاتفاق عليها، وفي كل القراءات فإن تبريدا سوف يقع في هذه الملفات.

وسادسا، ما دام البعبع الداعشي قد اوجدته صراعات المنطقة، فإن تذويبا مباشرا سوف يصيب هذه العصابة، وسوف تتلاشى من دون اعلان.

وسابعا، وهو الاهم، ما دامت اسرائيل تعتبر الاتفاق خطأ تاريخيا، فإن هذا يسجل للاتفاق لا عليه، فكل ما يغضب اسرائيل يفرحنا، ولا ندري، قد يكون هذا الاتفاق مفتاحا لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي بصيغة ما، على الاقل هناك قوة في العلن معادية لاسرائيل، وفي السر.. "ليالي الانس في "فيينا".