اليوم الأول ما بعد اتفاق إيران + 6

الاتفاق النووي مع ايران حدث تاريخي ومؤثر، ولكنه لن يغير العالم ولن يمثل معلماً فارقاً على المستوى العالمي، عدا عن المستوى الإقليمي، أي أنه لن يكون على شاكلة تأميم قناة السويس أو انهيار سور برلين.

الترحيب الواسع والأجواء الدرامية التي تحيط بالمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني ترجع أساسا لرغبة الأمريكيين في تحقيق إنجاز وسط حالات الإحباط المتكررة التي أخذت تصبغ سياستهم الخارجية، كما أن الأوروبيين في العادة يؤدون دورهم التقليدي في العقود الأخيرة ويبالغون في تقدير جهودهم لإحلال السلام العالمي، مع أن دولاً أوروبية مركزية مثل فرنسا لا تترد في اتخاذ أي إجراءات تراها ضرورية للمحافظة على مصالحها دون أن تفكر في التفاوض أو المناورة السياسية.
الاتفاق تاريخي لأنه ينهي مرحلة من الانقطاع في العلاقات الإيرانية - الغربية ومن المتوقع أن ينعكس ايجابيا على الوضع الداخلي في ايران، كما أنه مؤثر، لأنه سيلقي بظلاله على التوازنات القائمة في المنطقة العربية التي تشهد ظروفاً غير مسبوقة من الاضطراب.
اللمسة الدرامية على الاتفاق كانت لتكمل لو أن الإيرانيين وصلوا مع الغرب لمرحلة الصدام على الأرض، أو حتى اقتربوا منها، والواقع يقول غير ذلك، فالإيرانيون يقاتلون على نفس الجبهة مع الأمريكيين في العراق، والصراع في سوريا يجري بالوكالة، وتهديدات جنرالات إيران أصبحت روتينية لا تثير الفزع في واشنطن أو غيرها، لدرجة أن الأمريكيين تعاملوا مع التهديدات الكورية الشمالية بجدية أكثر من نظيراتها الإيرانية.
لن يتغير العالم بعد الاتفاق الإيراني، ولن تتغير سياسة إيران كثيرا، والأمر نفسه بالنسبة للأمريكيين، ولكن الوضع قد يبدو مختلفاً على الجانب العربي، فالعلاقة التاريخية التي ربطت بين أكثر من دولة عربية والأمريكيين ستتعرض إلى تراجع كبير وستدخل في أطوار جديدة بالتأكيد ستكون بعيدة عن مفهوم التحالف الكلاسيكي الذي مضت عليه العلاقات خلال العقود الماضية.
لن يتم ذلك بصورة أوتوماتيكية، ولن يكون انقلابا لمائة وثمانين درجة، وأصلا بدأت العديد من الدول العربية تحاول البحث عن حلفاء جدد غير الأمريكيين، فالفرنسيون يقدمون نفسهم والرئيس هولاند يعتمد على صفقاته العربية في تحسين صورته على المستوى المحلي في بلاده، والروس أيضا أصبحوا أقرب للدول العربية، وحتى أكثرها محافظة، من أي وقت مضى، ويبدو أنهم وفي حالة الوصول إلى ترتيب للوضع في سوريا أن بدائلهم ستكون أكثر جدوى واستقراراً وأقل تكلفة مما هي عليه الآن.
التأثيرات التي ستترتب على الاتفاق لن تتضح إلا بعد الدخول في التفاصيل اللاحقة، ولكن مهما يكن فإن الساحة الإيرانية ستدخل في مرحلة من السخونة، فالمشهد الإيراني لم يعد متماسكاً أو ملتفاً حول رؤية واحدة، فالجنرالات يتحدثون بلغة تختلف عن الساسة، كما أن يتحين المحافظون الفرصة لترويض التيار الإصلاحي الذي يتطلع بدوره للأخذ بزمام المبادرة بصورة حاسمة ونهائية.
أفضل ما يمكن فعله على المستوى العربي أن يتم إحراج الإيرانيين بصفقة شاملة، في حالة استقبالها بصورة جيدة فإن ذلك سيعطي مدخلاً جديداً للخروج من الأوضاع المتأزمة في المنطقة العربية، وفي حالة رفضها فإنها ستكون عاملاُ لتأزيم المشهد الإيراني على المستوى الداخلي.
الاتفاق سيكون مدخلاً للتفاهمات الثنائية والجانبية بين الإيرانيين والأمريكيين وهي التي ستكون في الفترة المقبلة أكثر أهمية من الاتفاق في حد ذاته.