الليمون زينة الأردنيين قبل العيد.. لو نطق لتبرأ من السوق

لـــم يتطرق حوارهــــما الذي دام أكثر من عشر دقائق إلى الوضع السياسي في البلاد وتصورهما حول قانون الانتخاب الموعود وأخباره المفقودة، بل إن أحدهم لم يتذكر أن هنالك «تنظيم الدولة»، بات يهدد أمن الإقليم وتبعات ذلك من إغلاقات حــــدود وقــــذائـــــف تلقتهـــا الرمـــثا.
المكان: وسط العاصمة عمان في محل خضار على الناصية يصنف بأنه متوسط الحال، الزمان: قبل موعد الإفطار بساعة، المتحاورون: مستهلكون عدد 2 وبائع المحل ومساعده، السبب: بلوغ سعر كيلو الليمون نحو 2.5 دينار، يمكن أن يقدر ثمن الحبة الواحدة بـ40 قرشا.
يقول الأول: سأكتفي بشراء اثنتين اليوم أكلتنا المفضلة الملوخية تحتاج إلى الليمون»، يرد عليه الثاني: يبدو أنكم أنفقتكم الكثير على تنظيف الدجاج المكون الرئيس في تلك الوجبة، يبدو أن المجموع سيكون أربع حبات يقترب سعرها من الدينارين وهو سعر الدجاجة الواحدة.
يتدخل البائع ويقاطع الحديث في محاولة لتبرئة نفسه بعد أن ألقى الحضور عليه نظرات حادة، يقسم أن سعر الجملة تجاوز الدينارين وإنه يحاول بيعه بأقل مقدار من الربح، يدعمه المساعد ويقول: نعم اليوم كان السوق «مولع».
يهمس الزبون الأول في أذن الآخر قائلا: طيب والبطاطا والبندورة، أنا لا أفهم بلوغ أسعار الفواكه والخضار لتلك المستويات، يرد عليه الآخر بسخرية: الذي لا يزرع لا يحصد إلا الغلاء والعوز.. لو نطقت تلك الحبات الصفراء الناضرة لأخلت براءتها من كل ما يحدث كونها لا ترغب بأن تكون في قائمة آخر سلع المستهلكين.
من بين القرارات المربكة التي اتخذتها وزارة الزراعة قبل أيام دخول ثمار الليمون المحلي غير الناضج الى أسواق الخضار المركزية وستعمل على اتلافها.
تبرير الوزارة يبدو منطقيا كون غالبية المزارعين بشهادة التجار أنفسهم يعمدون على قطف الثمار مبكرا لبيعها بأسعار خيالية وتعويض أي خسائر محتملة، ذلك حدث مع البطيخ والشمام والعنب والبرتقال، دون تدخل حكومي، ما أثار تساؤلات لدى المستهلكين عن أسباب التدخل الآن ولماذا لم يحدث في الحالات الأخرى.
الإجابة تكمن في ردود الفعل الحكومية التي أصبحت تحمل صفة «الفزعة» فعند كثافة الحديث عن ارتفاع أسعار سلع معينة مثل الليمون والبطاطا والبيض يتم التدخل وغالبا ما يكون بشكل مربك يلقي بظلاله على السوق والمستهلكين، بسبب غياب استراتيجية واضحة ومحددة تسري أحكامها في كل وقت وحالة.
بعد دخول عضوية الأردن في منظمة التجارة العالمية حيز النفاذ في 2000، عمت الفوضى الأسواق وانفلتت الاسعار، كون الحالة بشكل عام بقيت في الوسط كمزج بين الاشتراكية والرأسمالية فلا يوجد نظام حكومي كامل يحكم العملية الاقتصادية ويحدد الأسعار، في نفس الوقت يغيب النظام الرأسمالي، بعدم كف يد الحكومة عن عمل القطاع الخاص، والتخلص من إرث سابق- تحديد أسعار المشتقات النفطية المثال الأبرز.
منذ اعتماد معادلة تحرير الأسواق واللجوء إلى سياسة «العرض والطلب» استطاع التضخم أن يخرج من دارته الضيقة وفي أحسن الأحوال كان يراوح حول 5 في المئة، التضخم سببه الرئيس ضعف القدرة الشرائية للدينار بسبب الربط مع الدولار الهزيل والسبب الآخر ارتفاع قيمة مستوردات المملكة، وهي غالبا من أوروبا وآسيا نتيجة أن فرق سعر صرف العملة المحلية يذهب لصالح تلك الدول التي تتعامل باليورو والين واليوان، ونتيجة أن مستوردات المملكة من الولايات المتحدة ضئيل.
اليوم يدفع المستهلك الثمن، قد لا يعترض على مستويات الأسعار إن كانت هوامش الارتفاع أو الهبوط معقولة، لكنه يفاجأ بأن سعر سلعة ما أصبح مضاعفا وفي اليوم التالي يمكن أن ينخفض إلى أدنى مستوياته، ذلك يعكس حجم الارتباك التي تعيشه الأسواق.
الاكثر غرابة الفروقات الشاسعة ما بين محل وآخر حتى لو كانت في نفس الحي، هنا تبرز نية الاستغلال وتحقيق مرابح خيالية على حساب المستهلك استفادة من تحرير السوق دون أي ضوابط.
في النهاية سيكتفي البعض بشراء أقل الكميات والذي بدوره سينعكس على القيمة الغذائية التي أكدتها مؤشرات الفقر الأخيرة عند مستويات مقلقة بما يتعلق بالفقر الغذائي بسبب هبوط السعرات الحرارية، ولا نستغرب أن الأردن من الدول التي تعاني من أمراض فقر الدم بنسب مرتفعة، بالتأكيد نتيجة قلة استهلاك اللحوم، وما يقرأ من عناوين عريضة عن عدد الأغنام وما يستهلكه الأردنيون في المناسبات ليست إلا دعايات في الاتجاه المعاكس للخروج باستنتاج أن الوضع آمن والأسواق بخير.