الاتفاق النووي «إن وُقِّع» .. ماذا ستفعل «العرب»؟


 
 
 
 
إحداهما «اللعنة» او مؤامرة محبوكة جيدا في الغرف السوداء ستحول دون التوقيع على الاتفاق «النهائي» لملف ايران النووي، بعد ماراثون طويل ومرهق، لم «يبخلْ» احد من المشاركين فيه (على جانبي المتراس التفاوضي) من إبداء المزيد من التصلب او المماحكة او الابتزاز او اثبات الحضور، بحثاً عن دور او حجزاً مبكراً لجزء من كعكة ايران الاقتصادية، التي يبدو انها هي التي وقفت خلف كل هذه المناورات والاحبولات، سواء منها التفاوضية أم الاعلامية وخصوصاً دبلوماسية التلويح بالعصا الى جانب الجزرة، التي دأبت دول الغرب الاستعماري على رفعها في مناسبة وغير مناسبة، لتحسين شروط تفاوضها والحصول على مزيد من التنازلات الايرانية.

واذا كانت الساعات الاخيرة من ليالي فيينا التفاوضية الطويلة، قد حملت انباء تدعو للتفاؤل، وسط حرص مشترك بين اعضاء منتدى الستة وأوساط الوفد الايراني، على عدم ابداء أي «ضعف» يمكن ان تعكسه بعض التصريحات المتفائِلة التي «اندلعت» فجأة، بعد ان سادت اجواء من التشاؤم على النحو الذي جسّده تصريح اوباما بأن احتمالات نجاح المفاوضات بدأت تتراجع الى أقل من 50%، فيما برز تصريح لافت آخر على لسان جواد ظريف بأن «لا» تمديد للمهلة النهائية (مساء يوم أمس الاثنين)، فإننا نكون امام المشهد الاخير من فصل معقّد ومحفوف بالمخاطر والاحتمالات المفتوحة، أراد الطرفان الرئيسيان فيه (واشنطن وطهران) اظهار مزيد من «الحزم» في مواجهة الآخر، والإيحاء بأنه محظور اختراق الخطوط الحمراء لأي منهما، للظهور بمظهر المنتصر الذي هزم خصمه بالنقاط (إذ ليس هناك في المفاوضات الدبلوماسية التي يقودها مُحنّكون.. ضربة قاضية)، ما أوحى بأن الفشل سيكون هو النتيجة الطبيعية لذلك «القصف» الاعلامي الذي لم يتوقف منذ التوقيع (قبل عامين) على الاتفاق المؤقت، ثم بعد ان عزّزه اتفاق لوزان في اذار الماضي، وجاءت سلسلة «التمديدات» من نهاية حزيران حتى الأسبوع الأول من تموز الحالي ثم الاثنين الأخير (يوم أمس) لتُعطي الانطباع بأن احتمالات النجاح والفشل متساوية.
ما علينا..
في الأثناء، وفيما كانت انظار العالم أجمع تتجه الى فيينا، وتراقب بحذر وخشية ودائماً بفضول كبير، والبعض العاقل والحكيم والخبير في شؤون السياسة وأفخاخ الدبلوماسية الحديثة، كان يقرأ ما بين السطور ويسعى لتفكيك الالغاز أو البحث عن مزيد من التفاصيل والتدقيق بين المواقف الحقيقية والمناورات وبالونات الاختبار، في اثناء ذلك كله، كان العرب (كلهم) استثناء في حمأة ما يحصل، وكأن الأمر لا يعنيهم عبر تكريس ثقافة الجلوس على الحائط والاطمئنان الى ما ترسله سفاراتهم الكسولة وغير المهنية من تقارير وما تبثه وسائل اعلامهم العاجز وفاقد المصداقية والموضوعية, والتي يبحث «فرسانها» عن تحليل مُغرِض أو مقالة معادية، بهدف الايحاء الجمهور العربي بأن ايران قد سقطت في «فخ» المجتمع الدولي، وأن الاخير «لن» يسمح لها بأن تكون دولة اقليمية كبرى تكتب جدول اعمال المنطقة وتتحول الى الحليف الجديد (ولكن القوي) للولايات المتحدة الاميركية, التي تستعد الى نقل ثقلها السياسي والدبلوماسي وخصوصاً العسكري الى منطقة المحيط الهادئ, تلك المنطقة التي ستُقرّر طبيعة النظام العالمي الجديد, بعد ان تراجعت اهمية منطقة الشرق الاوسط وإن ليس بدرجات قياسية, بل سقطت الى مرتبة اقل اهمية على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي بفعل عوامل عديدة, رغم أن ارهاصات وتداعيات وأكلاف المرحلة الكارثية التي وصفت بالربيع العربي, لم تتبلور على نحو حاسم ونهائي... بعد.
انتهت لعبة «الانتظار» العربي الطويل الان، ولم يعد بمقدور عرب «اليوم» الاستمرار في اللعب ضمن قواعد سقطت بفعل هذا الاتفاق الذي يصعب (إن لم يكن يستحيل) وصفه بغير انه اتفاق «تاريخي»، سيترك اثاره على المنطقة بأسرها, ويعيد ترتيب معادلة التحالفات (والعداوات) بين دولها, فضلاً عن الاحتمال الماثل بقيام محاور جديدة، ذات اهداف وعناوين مختلفة عن تلك التي دأب بعض العرب, على رفعها وايهام انفسهم والشعوب, بأهميتها وأولويتها فإذا بها «زَبَد» سرعان ما تبخّر.
من غير الحكمة وبخاصة في مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق، مواصلة العمل بخطاب إعلامي وسياسي ودبلوماسي قديم ومفلس وعديم الجدوى، وسيكون من الغباء التركيز على ما قدمته طهران من «تنازلات» وما «أَرْغَمَها» الغرب على تجرّعه من «السمّ» النووي، سواء في ما خص مخزونها من اليورانيوم المخصب، أم في تفتيش منشآتها النووية وتحويل «وظيفة» مفاعل اراك المُنتج لليورانيوم بتقنية الماء الثقيل عبر تكليف الصين بهذه المهمة.. لأن ما حققته طهران على ارض الواقع الملموس والمُعتَرَف به غربياً... كثير ومهم, وبخاصة في «إقرار» الغرب ببرنامجها النووي السلمي وعدم المسّ به, وهو أمر كان يرفضه الغرب تماماً, فضلاً عن رفع العقوبات الاقتصادية، وخصوصاً رفع الحظر عن تصدير واستيراد الاسلحة سواء تم ذلك بعد سنتين أو ثماني سنوات.
يجدر بالعرب جميعاً أن يعيدوا قراءة «الملفات الايرانية» بروية وصبر وعقول باردة، تأخذ بأسباب المنطق والمصلحة القومية, بعيداً عن مواصلة «الإتِجار» ببضاعة الطائفية والمذهبية الكاسدة والفاسدة ذات الكُلفة الباهظة.